جد بصير ووصيته التي أحكمت وثاقهم كقيد !
في آخر أعمالها الروائية، تجلت الروائية نهى داود التي عُرفت بأجاثا الشرق.
جثتان والثالثة عند قدمي، بعنوان مثير وغلاف دافئ قدمت الكاتبة عملها الذي تدور معظم أحداثه في بيت العباسية حيث تقطن نجية، لكن ننتقل سويًا من العباسية لمستشفى الخانكة والمنيا حتى نطر للبرتغال ودبي.
نجية، التي يفتتح العمل بسجال لها تُحدث فيه نفسها، مُدونة مذكراتها التي ينقصها البهجة، فكانت تنعي حظها وحياتها التي تدمرت قبل أن تبدأ إثر وصية تركها الجد الذي أحب نجية حبًا جمًا فربط الميراث بزواجها من غالب ليستطيع غالب الحصول على ميراثه. كان الجد يحاول حماية بنات العائلة من اقتراب أي غريب طامع أو من تبديد مسرف لكاذب لعوب.
وأمام تلك التضحية من غالب للارتباط بنجية فقد قررت والدته أن تتم المبادلة أي يتزوج أمير أخي نجية من غالية بنتها، وما أن ماطل أمير في زواجه من غالية إلا وكان قرار الحاجة زينب بهجر غالب لنجية حتى يأذن المولى وتتم زيجة أمير من غالية.
نجية، ليست بالجمال المنشود الذي يطلبه الرجال، فظهرها به حدبة ولها سن أمامي مفقود وشعرها أشعث يصعب السيطرة عليه، ضخمة الجثة.
هجرها غالب يوم زفافهما بعد أن جعلها توقع تنازل منها له عن إدارة نصيبها من الميراث!
لم تراه كزوج طيلة خمسة عشر عامًا، ممَ عجل بإصابتها بمرض نفسي جعل الجميع يتحاشونها، فعاشت في عزلة بين قططها التي فقدتها الواحدة تلو الأخرى.
وباكتشاف جثة بدأت في التحلل وانتشار رائحتها بعد مداهمة رجال الشرطة بصحبة البواب وبائع الموز لشقة نجية تم القبض بعد تهجمها على چومانة ومن ثم عُثر على الجثة.
ليصبح الأمر مخيف رغم هزليته، فالجثة كانت لقرد، قرد بعيون خضراء!
بعد أن تم اقتياد نجية للقسم الشرعي بمستشفى الخانكة بدأت هنا حكاية ندى تلك الصحفية المتدربة في جريدة يرأسها خالها، ندى خريجة كلية الآداب قسم علم النفس وتكمل دراستها العليا لتصبح فيما بعد استشارية نفسية، فما كان يناسبها إلا قسم الحوادث!
فيُطلب منها تقرير عن حالة نجية وحين تتطلع على تلك الأوراق، ومذكراتها الشخصية تتعرف على نجية وما قاسته.
لتتأكد من تشخيص حالتها حيث تبين أنها مصابة باضطراب شخصية فصامي النمط، حيث التشوه الواضح في طريقة تفكيرها وتقييمها للأمور، أو غرابة تصرفاتها ومظهرها، وعزوفها عن تكوين علاقات مع الآخرين، والضلالات والهلاوس التي تعاني منها، واعتقادها بأن الجميع يحملون أفكارًا سلبية تجاهها، كما تعاني نجية من متلازمة ستوكهولم، فيتعاطُف الشخص مع مَن أساء إليه والشعور نحوه بمشاعر إيجابية.
لذا تفتقد نجية دوما وجود غالب الذي هجرها!
عذرًا، لم تكن تلك الجثة الوحيدة، فهناك أخرى!!!
دائما ما تثمر حواديت البنات وسهرهم سويًا عن أفكار وتحليلات لا يستطع أعتى الرجال للوصول إليها بتلك السلاسة، فكان من حسن حظ ندى حصولها على أخت تصغرها بعامين تدعى شيرين تعمل كمضيفة طيران وتتسم بحيادية شديدة في حكمها وتحليلها للأمور، ما جعلها نعم الرفيقة والباحثة عن الحقيقة بصحبة ندى؛ لتؤكد صدق حدس المرأة بمعاونة المقدم عاصم، الغاضب دومًا الكاره للصحفيين أبدا وإرشاد الطيب النفسي بالمستشفى.
تُرى لمن ستكون الجثة الثانية وكيف ستقتل الضحية الثالثة!!
رواية كتبت بالفصحى السلسة، أحداثها تسلب وقتك ببراعة فلا يمكنك الفكاك منها إلا وقد أجهزت على آخر صفحاتها في محاولة للحد من مستوى الأدرينالين الذي بدأ يتقافز داخلك ولابد له أن يهدأ بوصولك للحقيقة.
أراها درة أعمال نهى داود، فقد كتبتها ببراعة الباحثة وحزم الشرطي وعقلانية الطبيب وبعوز نجية للحب واللطف والتقدير.
رواية من ٣٢٠ صفحة، في كل صفحة منهم تلتقط أنفاسك وتعيد حساباتك لتدهشك بنهاية مميزة الحبكة حتى مع كشفك لمحاولة حلها ستكون سعيد بأن تكهنك جاء صحيحًا وستندهش كما لو كنت لم تكتشفها بعد! فحدس المرأة لا يخيب😉
هاكم القليل من أعجبني:
❞ الحب لا يمكن أن يكون عبئًا على صاحبه.. فالحب حرية كما تقول.
❞ الارتباط بفتاة يدير جمالها الرءوس يولد لدى المرء شعورًا لذيذًا بأن لديه شيئًا خاصًّا يحسده عليه الآخرون. ❝
❞ المواقف الصعبة تمحص الناس وتظهر لنا حقيقتهم، وهو أمر لو تعلمين عظيم. ثم يتكفل الله بحل كل شيء. ❝
❞ حينما يتصور المرء أنه يحمي أحباءه ويضمن لهم حياة آمنة فيتحول الأمر إلى قيد وظلم يطاردهم.. لا تستسلمي للخيارات السهلة. ❝
❞ «الغضب شعور. كل شعور وراءه فكرة.. اسألي نفسكِ ما الفكرة التي تسببت لكِ بهذا الشعور». ❝