ناديا التي تأخر انتقامها طيلة سنين عديدة إلا أنها أجادته!

في ظل الديكتاتورية وأساليب القمع القائمة بالتبعية في فترات قد عاشها الشعب الأرجنتيني قد قاسى منها اليساريين من التطرف اليميني ومن بعدهم ما حدث من انقلاب عسكري لم ينعم الشعب تحت ظله بأي قدر من الحرية بل استمر تحت القمع والتهديد وما أكثر الضحايا إثر تعديات جسدية إن كان بالتعذيب أو العمل بالسخرة أو الانتهاكات الجنسية وما تبعها من إجهاض الفتيات المنتهكات أو بيع صغارهن بعد إتمام فترات الحمل والوضع.

عاشت ناديا تلك الظروف، عاشتها وفي قلبها غصة لم تنتهي إلا باقتصاص قد أتمته بيديها من ستة وثلاثون شخصًا.

ستة وثلاثون رجلًا وامرأة استطاعت ناديا أن تنهي حياتهم وتحولهم لجثث هامدة بين بينهم اثنان قد لوت رقابهما بذراعها القوية المفتولة العضلات.

بدأت الكاتبة الأرجنتينية روايتها بأن هناك صحفي في الستين من عمره قد طُلب منه كتابة كتاب يحوي قصة الانتقام تلك، انتقام متهمة في الخامسة والأربعون من العمر في عدة قضايا كقاتلة متسلسلة وطيلة الرواية نجد الأحداث تنقسم فيما بين جلسات مع ناديا في زيارات السجن وجلسات مع ريتا والدتها البالغة من العمر الخامسة والستون يتخلل الجلسات وقائع وتقارير الطب الشرعي في وصف حالات الجثامين التي تعددت أسباب وفاتهم، ما بين تسمم بالسيانيد أو تسمم بأول أكسيد الكربون أو بجرعات زائدة من أدوية مضادة للاكتئاب أو بإطلاق الرصاص أو خنقًا أو صعقًا بالكهرباء أو تمزيقًا بآلة جز العشب!!

اختلفت الميتات إلا أنها جميعها اتسمت بالحدة!

تميزت ناديا بالذكاء والقوة كما تمتعت بإرادة صلبة وإيمان قوي لا يتزعزع بقضيتها حتى أنها بعد أن فرغت من ضحاياها أو لنكن أكثر دقة، بعد أن فرغت من جلاديها، سلمت نفسها للعدالة، العدالة التي ربما تاخرت كثيرًا لتقتص لها ولمن هم مثلها، لريتا التي بقيت تناضل في بيت الغابة مع أطفال قادتهم الظروف ليصبحوا في حوزتها وكنفها، كانت أمينة على أرواحهم واقتسمت مسؤوليتهم مع ابنتها التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، كانت نادية طفلة أم، اعتادت العناية بالغير وتأصلت فيها فضيلة العطاء دون حدود.

ليست رواية وإنما صرخة في وجه الفاشية والديكتاتورية أينما حلت.

بمثابة حفل تأبين إلى كل أولئك الفتيات اللائي فُقدن يومًا ما، إلى كل أولئك الأطفال الذين لن يعرفوا أبدًا من أين أتوا، إلى كل تلك الأجساد الصغيرة التي تاجروا بها كما لو كانت تليفزيونات أو خواتم.

الرواية من ٣٢٠ صفحة تكرر في سطورها رائحة الموت وفلسفة الهزيمة ودموع منهمرة بعد كل جريمة، نعم جريمة؛ فناديا ترى أن قصاصها ربما وإن كان عدلًا إلا أنه كان جرمًا لم تتنصل منه وإلا لما ألحت على نوالها لعقوبتها كاملة.

رغم ما أحاط بالأحداث من ميتات بشعة إلا أنه هناك زخات من الحب تبزغ في سماء ريتا التي عاشت طيلة أربعون عامًا في ظل رجل ميت قد أحبته.

فمنذ أن أوسعوا أماريو ضربًا في منتصف الطريق حتى أردوه قتيلا وهي تحتضن ظله الذي طالما شغل حيز من سريرها.

وكاتب هجرته زوجته بلا عودة فأصبح يأتنس بما كانت تفضله من كتب وروايات ويتنسم رائحتها التي لا تترك وسادتها، يستشعر وجودها حتى في الغياب.

وأصبح يواجه وحدته وهروبه من أزمة منتصف العمر.

مهلًا، هناك إصدار جديد يتبع رسائل كافكا لميلينا، ربما بعد حين! سيكون قابلا للطرح في الأسواق!

من الاقتباسات التي استوقفتني:

❞ ‫ “إن الانتقام لا يقل عبثًا ولا سخافة عن المغفرة”.

من مقدمة الرواية ‫ “لخورخي لويس بورخيس” ❝

❞ الأم هي شخص بطبيعته لا يفهم أي مبررات عندما يرغب في فعل شيء جيد لأبنائه ❝

‏❞ ينشرون الكتب وإلى الآن لا يزالون يظنون أن الكتَّاب يطرحون تجاربهم الشخصية. كم هم جهلة! ❝

❞ شكل آخر للهزيمة هو أن تشعر بـ”رهاب العودة للبقاء بمفردك مرة أخرى”. ❝

‏ ❞ يتذكر الجسد أنه قد أصيب حتى بعد فترة طويلة من اخْتِفَاء الندبات. تظل لفترة طويلة حتى بعد نسيان التفاصيل. تحمُّل هذه الأمور ينقذك من الموت، لكنه لا يؤهلك للنجاة. ❝

‏❞ ما يؤهلك حقًا للوصول إلى خط النهاية هو ألا تفقد صوابك. ولهذا فإن الشعور بالمحبة والامتنان للوقت أمر ضروري للغاية. الخطط الصغيرة: إنها ما تجعلك تسقط وأنت واقفٌ على قدميك. ❝

‏❞ تركت الأمر لوقت لاحق، مع هذا اليقين الغبي بأن هناك دائمًا وقتًا لاحقًا. ❝

❞ التنظيم ينتصر على الوقت. ❝

‏❞ الوعود تعبر عن أمل، والأمل سريع الانكسار. ❝

❞ هل تعرف ما معنى أن تكون مع شخص ما دون أن تصمتا أبدًا؟ كانت علاقتنا عبارة عن محادثة تتخللها الانقطاعات. ❝

‏

‏❞ فليبقَ هؤلاء الناس، أولئك الذين يثبتون أن داخل كل قسوة ينبع جمال يستحق أن نُوليه اهتمامًا. ❝

❞ أكره الأشخاص الذين بإمكانهم أن يكونوا سعداء ويصرون على اختيار التعاسة. ❝

❞ الذهاب تجاه الموت فضلًا عن انتظاره قد يكون القرار الواضح الوحيد الذي قد يتخذه طوال الرواية، وإلى الآن لم يتخذه. ❝

❞ “كل العائلات السعيدة متشابهة؛ لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة ❝

#حصرياً_على_أبجد_مع_العربي

#حتى_الموت

‏