من الشباك > مراجعات رواية من الشباك > مراجعة Mohamed Khaled Sharif

من الشباك - أحمد خير الدين
تحميل الكتاب

من الشباك

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

على الرغم من عدد صفحات الكتاب القليلة التي تخطت حاجز المائة بقليل، لم يمنعني ذلك أن تعصف بذهني طوال فترة قراءته مئات الأفكار والآلام التي كُنت قد ظننت أنني نسيتها وأتضح أنني تناسيتها فقط!

أحمد خيرالدين له ثلاثة أعمال منشورة حتى الآن؛ من الشباك وبعلم الوصول وآخر أعماله الذي صدر في معرض القاهرة للكتاب 2021 بعنوان: على بلد المحبوب. ونال كتابه الثاني "بعلم الوصول" احتفاء شديد من الوسط الأدبي ومُراجعات القراء على موقع "الجودريدز" وأغلب مواقع التواصل الاجتماعي.

اخترت هذا الكتاب ليكون مُفتتحاً لي مع قراءات "أحمد خير الدين"، كنت متوقعاً لكتابات خفيفة عذبة، لم أكن أدري أنني على موعد مع الألم خالصاً. ألم يُدمي قلبي وروحي وعقلي.

يتناول الكتاب قصص أغلبها يربطها "شباك: نافذة" ويرتبط بالسجناء السياسيين في مصر وما يلاقوه من عذابات وإهانات وضياع للعمر من أجل أنهم فقط عبروا عن رأيهم أو عارضوا سلطة ما! ذلك كابوسي المُرعب، بتفاصيله، هؤلاء الشباب كان من المُمكن أن أكون واحداً منهم بسهولة شديدة، لولا ضربة حظ جعلتني بعيداً عن مرمى الجلادين.

وعلى الرغم من بساطة القصص ولكنها تحمل ألماً دفيناً. ألم تكاد ترى الحروف تبكي دماً بسببه؛ رجال ونساء وشباب وشيوخ ومن جميع المهن فقط قالوا رأيهم، عبروا عنه ببساطة. وهنا أجد سخرية واضحة للأعمى أن النظام الذي يتشدق بقوته ورسوخه يخاف من بعض الآراء من الشباب، يخاف أن يُعبروا عن حُريتهم.. فيسجنهم ويسحلهم وصدق أو لا تصدق يصل حتى إلى القتل!

أصبحنا مُجرد أرقام بالنسبة لهم، لا بشر!

أتريد أن تصبح إنساناً وتقول رأيك هكذا صراحة؟ مالك أنت ومال السياسة ونظام الحُكم المُستبد الغاشم؟ ما لك أنت بأننا فاسدون ونحمي الفاسدين، ونُعاقبك أنت لمُجرد أنك قد فكرت أن تُعارض سُلطتنا المُبجلة. يكفيك أننا نتركك لتعيش! تشرب المياه وتأكل وتتزوج بعد أن تقضي حياتك كُلها في جمع المال المُناسب لتعيش حياة شبه آدمية. نُزيد عليك الخناق، نرفع أسعار كُل شيء إلا قيمتك ستظل رخيصة! التُراب عندنا له قيمة عنك. عش هكذا في سجناً كبير، كعربة ترحيلات! عش هكذا واصمت وإلا ستشرف سجوننا، أنت وكُل ما له صلة بك، أقاربك، أصدقائك، حتى جيرانك لو أبدوا تعاطفاً. اصمت وعش هكذا تتنفس من الشباك وأحمد الله وأسجد شاكراً أننا نسمح للهواء بالدخول إلى رئتيك. يا للعجب، أصبح لمن تكرمنا عليه وجعلناه يعيش في هذا البلد المُقدس صوتاً الآن! لماذا لا تنظر إلى أقرانك الذين يسجدون لله شاكرين على وجودنا؟ على عطايانا لكم؟ كبرت يا غر يا ساذج وتُريد الآن أن تتكلم في السياسة وتُعبر عن رأيك؟

حضرات السادة أصحاب النفوذ السياسية والقيادية، دعوني أشكركم على وجودكم في حياتي، دعوني أشكركم أنني لا أستطيع أن أجد قوت يومي إلا بعد أن أكدح وأعمل كالحمار –أعزكم الله- في أحد الشركات الخاصة لأنه بالطبع لا توجد وظائف حكومية حتى أنل آخر الشهر ما يكفي تسديد ديوني والإيجار للشقة التي لا أمتلكها بالطبع. أحاول الاقتصاد حتى لو سأعيش بشكل لا يقترب للآدمية لكي أتمكن أن أجمع مبلغ يجعلني فقط أدخل بيت محبوبتي ليطردني والدها بسبب قلة حيلتي وفراغ جيبي. أشكركم من كُل قلبي على التعليم الذي قضيت فيه أغلب عُمري ولم أستفد به مثقال ذرة، وأشكركم على العمارات الشاهقة والبنايات الفخمة التي لن أحلم حتى أن أمر بجوارها! أشكركم على زيادة الأسعار التي تخنقني أكثر وأكثر. أشكركم على زيادة تكلفة المياه والكهرباء. وأشكركم أنكم قد تهتمون برأي نكرة مثلي إذ قال إنه يختنق، أن فتحة الشباك التي تركتوها له أصبحت لا تسمح بعبور الهواء. حضرات السادة، أني أختنق. ولا أستطع حتى أن أقول شيئاً.

بضعة كلمات قد تُغير حياتك، قد تجعلك سجيناً سياسياً للأبد في وطن يصرف الملايين على تصفية المُعارضين ولا يُصرف عُشر المبلغ على الصحة أو التعليم.. إلخ. ولكنك تصمت! تضع لسانك داخل فمك وتصمت، تمشي بجوار الحائط وتنظر للأرض ولا تُريد شيئاً من وطنك. الوطن الذي يحمينا هو ما يقتلنا.. فأقنعني بالله عليك كيف سأتحمس للأغاني الوطنية التي تنشدونها في أعيادنا؟ كيف سأحب هذا الوطن الذي جعلتوني بداخله غير آمن، خائف، مذعور وأرتجف لو مررت بجوار قسم شرطة أو دبابة جيش لأن مُستقبلي أصبح حتمياً مُرتبط بإظهار كم أنا لا دخل لي بالسياسة، أنا مُجرد نكرة لا قيمة لي، أريد فقط أن أعيش. فهل تسمحوا لي أن أتنفس؟ فقط؟ أم ستضعون عليها ضريبة كغيرها؟ أرجوكم لا تفعلوا هذا!

كما أسلفت الذكر هذا الكتاب فتح جرحاً حاولت أن أطمره أن أتناساه، تناول الكاتب بلغة مؤلمة حكايات لمسجونين سياسيين كُنت لأصبح منهم سواء بقصد أو غير قصد. حكايات تنوعت من المسجونين إلى موظفين الشرطة كأمناء الشرطة والعساكر المُجندين إلى أهالي المسجونين. ولا أنكر دهشتي أن هذا الكتاب نجا من مقصلة الرقابة ونُشر! تفاجئت أننا نتكلم بهذه الحرية في كُتبنا، ولا نستطيع أن نقول حرفًاً واحدًاً خارجها. بل، وقد تدفعنا حتى بضعة حروف مكتوبة أن تنتهي حياتك مسجوناً أو مقتولاً أو لا أحد يعرف عنك أي شيء.

بعد الانتهاء من هذا الكتاب، نظرت لغُلافه نظرة طويلة؛ غُلاف أحمر قاني كلون الدم به رسمة لعصافير بداخل قفص. فهمت الرمزية والعلاقة بقصصنا، وأضم صوتي لصوت الكاتب وأقول: أرجوكم يكفي حبس للعصافير.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق