القوقعة > مراجعات رواية القوقعة > مراجعة مقداد درويش

القوقعة - مصطفى خليفة
تحميل الكتاب

القوقعة

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هذا المكان يقوم على أعمدة عجيبة، كلها تُقيم صُلبه، أعمدة الشيء ونقيضه...

فهنا الألم، الإذلال، الانحطاط، العبودية... وهي أعمدة المكان

وهنا الأمل، والكرامة، والرِّفعة، والحرية... وهي أعمدة النفوس

لا شك أن السجون السورية هي من أشرس السجون على ساكنيها، ولا تزال...

لا أدري حتمية هذا القدر، فالشام (سوريا) هي أكثر البلاد التي أحبها على هذه الأرض، وبالمقابل هي رهينة أكثر الأنظمة إجرامًا وإبادة.

يأخذنا مصطفى خليفة معه في رحلة تبدأ من المطار في فرنسا، إلى المطار في دمشق ومن ثم رحلة اللاعودة بتهمة الإخوان المسلمين (وهو النصراني!!). فمصطفى قبل السجن، ليس مصطفى كما بعده. وهذه قناعة راسخة لدي بخصوص السجن، فأنا بعد السجن لم ولا ولن أعود كما كنت قبله، إذ السجن يحفر في نفسك أخاديد يستحيل ردمها، إنه يقتل شعورًا، هذا الشعور الذي إن وجدته في الحرية، لن يكون بنفس طعم ومذاق المرات السابقة.

تزداد وتيرة الشراسة في كلامه عن السجن الصحراوي، وكيف يتعامل السجانون مع هؤلاء الأسرى على أنهم كائنات "كثير عليها الحياة"، حيث يمكن أن تودع هذه الحياة بأقل حركة قد تقوم بها ولا تعجبهم!

في السجن، يصهر الإنسان ويعاد تشكيله، فالمؤلف كان منكّس الرأس في عدة مواطن لا تستدعي ذلك، إذ أن هذا التصرف قد طُبع في داخل الأسير على أنه هو التصرف المفترض والطبيعي!

تزداد وطئة السجن على صاحبه حين يجافيه جيرانه، وهذا ما كان مع مصطفى خليفة، ولكن حدة المقاطعة بدأت بالتراجع مع مرور الزمن.

رواد السجن من نخبة المجتمع، فمنهم الأطباء والمهندسون والأكاديميون وغيرهم الكثير، كل ذلك وبرغم صعوبة الوضع داخل المهجع، مكّنهم من عمل أشياء كثيرة، منها عملية الزائدة الدودية على سبيل المثال!

أعجبني في الكاتب عدم رضوخه في اللحظات الأخيرة، فرفض التوقيع على برقية شكر لرئيس الجمهورية!!! متسائلًا لماذا أشكره؟

حالة الضياع و"اللاشيء" التي يعيشها الكاتب في ما بعد الحرية، محزنة للغاية... إذ التوقعات والانفعالات أقل مما كان متصورًا. فالأشخاص ليسوا كما كانوا! فمنهم من كبر وتغيرت أحواله، ومنهم من رحل تاركًا حجارة القبر بوابةً للإتصال! حينها؛ تفقد الرغبة في أشياء كثيرة، تصبح هاجرًا لأحاديث الناس المملة والمجاملات الكاذبة.

صدقًا أن السجن عقوبة عبقرية، ولكن أحيانًا ينقلب على صانعه، فلقد شاهدنا نماذج مشرفة ممكن كانوا في السجون وخرجوا بعزيمة صقلتها التجارب الصعبة، وما كان لهم أن يصيروا هكذا بدون هذه المراحل الصعبة المريرة.

وما يخرج به قارئ هذا القصة وغيرها من القصص المشابهة، هو كمّ ونوع التضحية التي قدمها الإسلاميون عمومًا، فهم لم يجربوا من الحكم إلا سجونه!

رحم الله الشهداء الأبرار الذين قضوا في عتمات السجون بين أيادي أشخاص لا يمتّون للإنسانية والحياة بِصلة! رحم الله هؤلاء الأبرار وأعان أهاليهم على مرارة الفقد واللوعة والإشتياق!

وبعد كل هذا، يأتي من يلوم أهل سوريا الأحرار على ثورتهم وخروجهم على هكذا أنظمة تقتات على أوجاع الناس وأرواحهم!

اقتباس:

" في السجن الصحراوي.. شكّل خوفي المزدوج قوقعتي التي لبدتُ فيها مُحتميًا الخطر. هنا - ويسميه السجناء عالم الحرية - خوفٌ من نوع آخر، وقرف.. ضجر، اشمئزاز، كلها شكّلت قوقعةً إضافية أكثر سماكة ومتانة وقتامة. لأن الأمل بشيء أفضل كان موجودًا في القوقعة الأولى.

في القوقعة الثانية لا شيء غير.... اللاشيء! "

Facebook Twitter Link .
15 يوافقون
اضف تعليق