توطئة :
إن معاناة الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يجمعها كتاب واحد ، فـ لكل مدينة قصة ، ولكل قصة أكثر من رواية ، لأن الفلسطينيين نتيجة الخوف والهلع لم يكونوا على استعداد لتوثيق معاناتهم ، ولم يرغب الاحتلال بتوثيق جرائمه وعدد ضحاياه ، لذلك جاء الأدب لتجسيد الصمت السائد ما بين صرخة الألم ، وضحكة المنتصر ، وإيصال الكثير من الحكايات التي اعتمدت على النقل الشفوي .
وها هو إلياس خوري الروائي اللبناني يجسد معاناة أهل مدينة اللد بعد هجوم الجيش الإسرائيلي في تموز عام 1948 على المدينة وإجبار أهلها على التعايش ضمن حصار قاتل ، أو الفرار كي لا يتمكنوا من العودة إلى أراضيهم بعد ذلك
الجو العام للرواية :
لقد جسد إلياس خوري في روايته أولاد الغيتو مأساة الشعب الفلسطيني في مدينة اللد عام 1948 ، حيث أنه بقي في المدينة بضعة أشخاص حوصروا داخل سياج من الأسلاك الشائكة أقامه الإسرائيليون حول الحي المحيط للمسجد والكنسية وبضعة بيوت هاجرها أهلوها ومستشفى يفتقر للمقومات الأساسية للعلاج .
ثم يفرض على هؤلاء المواطنين الذين أطلق عليهم – سكان الغيتو – عمليات تنظيف للشوارع التي امتلأت بجثث الضحايا ، ونهب البيوت المجاورة وما يمكن نقله من الدكاكين والمحال التجارية لتحميله في شاحنات للجيش الإسرائيلي ، وعلى مدار شهر كامل عمل عشرون شابا من أهل الغيتو على إزالة الجثث المتفسخة ورميها في خندق كبير على شكل قبر جماعي ، وفي اليوم الأخير أمرهم الضابط الإسرائيلي بجمع الجثث المتبقية وحرقها .
تقنية السرد :
لقد قدم إلياس خوري في روايته أسلوبا فريدا من السرد ، فلقد جاءت روايته على شكل روايتين لـ آدم دنون - وهو بطل الرواية - يقع الجزء الأول منها بتجسيد حياة شاعر الغزل الأموي وضاح اليمن ، والذي لقي مصرعه نتيجة لعشقه لأم البنين زوجة الخليفة الأموي ، وأما الجزء الثاني من الرواية : هو عبارة عن شذرات من طفولة آدم دنون وطبيعة حياته في اللد ، والمعاناة التي عاشها أهل اللد في الغيتو .
النقد :
تطرق إلياس خوري في روايته لمواضيع عدة تمد القارئ بفلسفة خوري النادرة ، فقد ربط خوري الموت والحياة بطريقة لا يمكن وصفها ، كما أنه ربط ما بين رواية غسان كنفاني (رجال في الشمس ) وقصة شاعر الغزل الأموي وضاح اليمن ، كما أنه ربط ما بين صمت الضحية وصمت الجلاد ، كيف يمكن أن يكون الجلاد هو نفسه الضحية ، ومن هنا لا بد لنا أن نذكر قول "فرويد" : إن سلوك الإنسان مبرر في نظره .
لقد عمل خوري على حشد مجموعة من المتناقضات التي نواجهها في حياتنا اليومية ، ونثرها في روايته أولاد الغيتو
قراءة ممتعة
عمر عبده – عمان الأردن