من بحث أعدّه في الأدب المقارن قيد النّشر يبيّن تأثر دانتي في ملحمته الشّعريّة الرّائعة بكتب المعاريج - موضوعها قصّة الإسراء والمعراج - معراج ابن عباس نموذجًا

الكوميديا الإلهيّة:

هذه الملحمة الشّعريّة هي رحلة خياليّة، تصوّرها الشّاعر دانتي في العالم الكائن ما وراء القبور، رحلة إلى العالم الآخر، استغرقت سبعة أيام، بدأت في (السّابع _ الثّامن) إبريل سنة 1300م، وانتهت الخميس (الرّابع عشر) إبريل، والمفروض أنّ رحلة التّطهير المنقذة هي رحلة تثقيف وتنوير، تمّت خلال أسبوع الآلام في السّنة اليوبيليّة 1300م، تخيّل دانتي أنّه ضاع في غابة مقفرة وموحشة، فكان عليه اجتيازها في مراحل ثلاثة: الجحيم والمَطهر والفردوس؛ لينقذ نفسه، وكان مرشده في الرّحلة الشّاعر اللاتيني (فيرجيليو) ، (رمز العقل الإنسانيّ)، وحبيبته (بياتريتشي) (رمز الفيض الإلهيّ).

تعدّ الكوميديا الإلهيّة الخلاصة الشّعريّة للعصور الوسطى، وهي ذات طابع رمزيّ إنسانيّ، يعالج فيه الشّاعر جحيم هذا العالم، وموضوعها الإنسان بما فيه من فضائل ورذائل، بوصفه خاضعًا للعدل الإلهيّ، وقد بلغ دانتي بشعره درجة من السّمو لنيل مقاصده الأخلاقيّة والمعنويّة بلغة خاصّة وأسلوب فريد، كان لهما الأثر الحيّ لخلود شعره، ليس على المستوى الوطنيّ الإيطاليّ حسب؛ بل على المستوى العالميّ؛ ولعلّ السّبب لذلك الطّابع الواقعيّ الّذي يصف فيه عالم العصور الوسطى وحروبه وعقائده وأخطاءه، مضافًا إليه الطّابع الذّاتيّ في وصف دانتي النّقائص والرّذائل الاجتماعيّة وحبّه للفضائل وسمو الخلق، ويظهر دانتي الإنسان في جانبيه: الماديّ؛ إذ يهتدي بفكره إلى طرق السّعادة الأرضيّة، والرّوحيّ؛ إذ يهتدي إلى حبّ الله بالفيض الإلهيّ متأثرًا بذلك بالنّزعة الصّوفيّة.