اقتباسات من رواية يونس بحري وموانئ الليل

‫ كلُّ ما أسَّسَه العهدُ الملكي من جوانبَ مدنيةٍ وحضاريةٍ على صعيدِ الحقوقِ والخدماتِ أخَذَ في الاختفاء، بدءًا من حريةِ الصحافةِ، وانتقالًا إلى قطارَ الشرق السريع، وجهَيِ الحريةِ والتمدُّن وبانقلاب العام 1968 قطعَ العراقُ آخِرَ صلاته بكلّ أشكالِ الحرية، وأصبحَت

هل كنتُ أفكّر في النساء حينها؟ نعم، وكثيرًا، ولكنْ ليس بطريقة المالك، أو طريقة سلطان إسطنبول، بل بطريقة الغازي الذي يريد أنْ يترك نقْشَ اسمِه على كلّ حجرٍ ثمين تزيِّن به امرأةٌ إصبعها بحبٍّ واعتزاز، ويمضي كأيّ ملك مغرور لا

مَن يتعمَّدِ الهروبَ منكَ كُفَّ عن مطاردتِه، لكي لا تمنحَه فرصةَ الانتصارِ عليكَ، لأنّ مَن يريدُك سيعرِفُ كيف يصلُ إليك.

وهذه هي طريقة العالم في حفظ توازنه الذي يقوم على قاعدة «كثيرٌ من السوء مقابِلَ قليلٍ من الأشياء والظروف الطيبة».

‏- الموتُ كلبٌ مسعورٌ ويعرفُ كيف يختارُ أوقاتَ انقضاضِه على فريسته وبكلِّ ما أُوتِيَ منَ الغدر، ولعلَّ عمليةَ انقضاضِه على جلالةِ الملك فيصل الثاني وعائلته أنصعُ دليل على ما أقول.‏

‏- الحياةُ لا تسير بصورة صحيحةٍ سوى بشروق الشمس وغروبها، أما ما عدا ذلك، فهو ضجيجٌ في مصحّةٍ للمجانين بلا مديرٍ، يوجِّه عملَها أطباءُ عاجزين ويائسين.‏

«بعضُ البشر يولد عظيمًا، وبعضهم يجتهد فيكون عظيمًا، وبعض منهم يسبِّب مشقّة عظيمة لهؤلاء».

‫ وليام شكسپير

- قلتُ لكِ إنّ العراقيين سيندمون على خسارة هذه الدولة قبل عامين، هل تذكرين؟ وها هم فعلوها، وسترَيْن بنفسِكِ يومَ ندمِهم، لأنني لن يمتدَّ بيَ العُمُرُ لأراه، ولكنْ تذكَّري كلامي حينها.‏

كنتُ أعرف أنْ ليس البريطانيون وحدَهم من يسعى للانتقام مني، بل الأميركيون والفرنسيون معهم أيضًا، وها هو سقوط ستالينغراد يُقرِّبهم من هدفهم هذا، فحسّي كان قد أخبرني بأنّ سقوط تلك المدينة المتجمّدة هو بداية نهاية هتلر ومحوره.

يونس بحري كان رجلًا معجزة وبقدراتٍ استثنائية، لأنه من شبه المستحيل أنْ تتولَّهَ غجريةٌ برجل غير غجري إلى حدِّ أنْ تتركَ أهلَها وقبيلتَها من أجله، بل وأن تعيش منبوذةً لا يُقبَلُ لها اعتذار من بعدُ، فكيف… وبأيِّ قدرات سَحَرَها

‏«تذكّري دائمًا أننا نتعثَّر بكلّ الأشياء التافهة، وبكلّ الآخرين الذين يُفسِدون الحياة، ولا نعثر على قليل من الحياة، فعليكِ إذًا أنْ تَدَعي جميعَ الأشخاص العابرين يعبرون من دون أنْ تَرَيْهم، وكلَّ الأحداث العابرة تمرُّ من الطريق الذي لا تسلكينه…».



‫ أعرف تمامًا أنك وُلدتَ وفي دمك ڨيروس لعبة الحياة، الحياة الحقيقية أقصد. وأعرف أنّ هذا الڤيروس لن يموت، ولن يدعك تهدأ يومًا أيّها الذئب؛ كلّ ما في الأمر هو أنه يقف حائلًا بيني وبينك

‫ صرخَتْ أمي بفرحٍ ذاتَ ليلة بنبرة المنتصِر: أنصتي، هذا هو أبوكِ، ومنذ تلك الليلة صار الاستماع إلى صوت يونس بحري فرضًا مضافًا إلى فروضي المدرسية البيتية، وكان يبدأ في كلّ ليلة بالعبارة ذاتها، والتي لم أفهم مغزاها حتى نهاية حرب أودلف هتلر علي أوروبا،،هنا برلين..حي العرب.

‫ هل كان يكذب فعلًا؟ نعم كان يكذب. ولكنْ لِمَ كان يكذب؟ كان يكذب من أجل أنْ يجعل حياتي معه أجملَ، من أجل أنْ لا يترك لحظةً من الحياة بيد قَدَرٍ غاشم، أو أنْ تمرَّ بصورة عشوائية… بلا متعة.

‏- كنتُ أعرف من اللحظة الأولى أنك، كبني إسرائيل، لن تصبرَ على طعام واحد. فصحّحت لها:‏

‫ ‏- بل أنا لا أصبر على مكان واحد، وهذا ليس بيدي، بل هو في رأسي كصوت الديك يجب أنْ يخرج.‏

هل كنتُ أفكّر في النساء حينها؟ نعم، وكثيرًا، ولكنْ ليس بطريقة المالك، أو طريقة سلطان إسطنبول، بل بطريقة الغازي الذي يريد أنْ يترك نقْشَ اسمِه على كلّ حجرٍ ثمين تزيِّن به امرأةٌ إصبعها بحبٍّ واعتزاز، ويمضي كأيّ ملك مغرور لا يجد الوقت لكل أشياءه الجميلة

‫‏حَدَثَ ما سأخبركم به عندما كان يعملُ في بغدادَ قطارٌ يوصل إلى باريس ولندن، عراقيين من كلّ الألوان، وفيهم حتى أولئك الذين بلا طموح، تحت اسم «قطار الشرق السريع».‏

إنّ الكرامة في هذه الدنيا الفانية هي القصد من الوجود، فإذا ما فقد المرء كرامته فإن معنى الوجود يصير أتفَهَ من قردٍ يقبع وراء قضبان قفصه الحديدي، يتلقّى فُتاتَ الطعام من المتفرّجين عليه.

‫ يونس بحري