اقتباسات من رواية كيف قتلت أبي

مع مرور الأيام، ازداد شبهي بأمّي قليلًا. صرت رائقة وهادئة ومنعزلة. راقبنا الضوضاء معًا من دون أن ننطق كلمة واحدة، لأننا بتنا نعرف أن الصمت يُحير أكثر من التوبيخ وأن الخروج عن السيطرة لا يُمكن مكافحته بالصراخ.

بدا الأمر كأننا لن نتأقلم أبدًا على غيابه، والحقيقة أن المرء لا يتأقلم أبدًا، وإنما يستسلم عبر قوّة الاعتياد. لقد توقفتُ عن التفكير

وضعت كاتالينا باقات الورود في آنية مملوءة بالماء. كانت كثيرة إلى درجة استحال معها المشي من دون التعثر في أحدها، على الرغم من ضخامة بيتنا. لا أطيق رائحة الزهور المقطوفة داخل آنية مملوءة بالماء. تبدو كرائحة الكنائس، كرائحة المقابر، كرائحة شخص ميِّت، كرائحة الحزن لم تُخلق الزهور كي تُقطف أكره أن يهدوني زهورًا ولا يمكنني مقاومة أن تنقلب معدتي كلَّما دخلت متجرًا للزهور أفضِّل النباتات المزروعة لأنها وعد بغد قادم، وعد بالحياة.

‫ لا يقبل المرء الغياب، لكنه يتقبله في النهاية. مع مرور الوقت، تحول أبي إلى طيف، إلى شبح، إلى اسم، ولاحقًا إلى مجرد ذكرى. لم يعد منذ فترة يسكن هذه الثواني العشر. نسيت نبرة صوته منذ زمن طويل. يزداد البُعد بيننا بمرور الوقت ولا يمكنني أن أفعل شيئًا لتقصير المسافة. إنه بعيد جدًّا اليوم إلى درجة أنني أتساءل أحيانًا: هل كان موجودًا حقًّا؟

أدركت في هذه اللحظة أيضًا أن العالم الحقيقي ليس فيه ثلاث محاولات للحياة كألعاب الفيديو. توجد حياة واحدة فقط، وحين تخسرها، تضيع إلى الأبد.

ما الذي اضطرت عيناها إلى رؤيته كي تنطفئا وتصبحا في شدة العجز عن التعبير عن أي عاطفة، ومتجردتين بهذه الصورة من الرغبة الإنسانية في البحث عن السعادة.

أعتقد أن مواجهة مأساة حقيقية تجعل أي مشكلة أخرى تبدو محض حماقة، لأن معنى الجسامة يتبدل.

وجد بيت جدتي لنفسه متّسعًا في العالم ووجد العالم كله لنفسه متّسعًا في بيت جدتي. هناك، لم ينقص أو يزد شيء. كنّا سعداء. كنّا كاملين.

في أي وداع شهدته … المكان والأجواء المحيطة؛ ما قلته وما قيل لي؛ ما فكرت فيه وأنا في عناقي الأخير؛ رجفة الأجساد، أو لون السماء، والجهد المبذول لكيلا ينكسر صوتي، لأنه حين ينكسر صوت المرء، ينكسر كل شيء آخر معه.

يُولِّد عبير الآباء سكينة لا تُوصف. حين يستشعر المرء رائحة أبيه، تبدو المسألة كأن كل الأمور ستنتهي على ما يُرام، وأنه ما من شيء سيئ قد يحدث.

حينما تسألني أستاذة العلوم بعدئذٍ ما هو السنتيمتر، سأقول لها: المسافة التي يجب على إصبع أن تقطعها كي تضغط على الزناد.

رأيت الفراغ الأسود العميق الذي يخرج منه الرصاص. الفراغ الذي أراه دائمًا في أحلامي. إنه صغيرٌ جدًّا إلى درجة ظننت معها أن قدرته على ابتلاع الحياة أمرٌ مستحيلٌ، ورغم ذلك فقد كان موجودًا هناك وهو يحاول ابتلاع حياتنا.

ما زال يشق عليَّ تصديق أن خمسة وثلاثين جرامًا من الصلب، وجرامًا واحدًا من البارود تمكَّنت من القضاء على عائلة. مع ذلك، أشهد بهذا الأمر، إذ قضت على عائلتي.

أدركتُ أن حلزون الرغبات هذا الذي يجعلنا بشرًا هو سبب تعاستنا الشديدة. نحن لا نستمتع بالحاضر لأننا نظن أن الأفضل دائمًا موجود في مكان آخر. لا مع المرء، وإنما في مكان آخر دائمًا.

لم أعرف من الذي قد ألومه: الرب لأنه توقف عن النظر إليَّ؟ أم راهبات المدرسة لأنّهن جعلنني أظن أن الرب سيرعاني؟ كنّ كاذبات.

لكل منا طريقته في التعامل مع ألمه.

❞ نحن لا نستمتع بالحاضر لأننا نظن أن الأفضل دائماً موجود في مكان آخر. لا مع المرء، وإنما في مكان آخر دائمًا. ❝

ما الإنسان إلّا الأماكن التي يفتقدها، لا تلك التي يسكنها

أهم الأشياء الموجودة في الحياة ليست أشياء فعلًا، وأن ما يهم المرء حقًّا، لا يُمكن لأي حقيبة أن تحمله.

لا يُمكن لأحد أن يغادر حياته أو اللعبة التي فرضتها عليه لا مناص من الوصول إلى النهاية، حتى وإن لم يتمكن أحد من تحديد ماهيتها أو مكانها أو كيفية الوصول إليها ما من تعليمات موجودة بخصوص هذا الصدد، ما من تعليمات موجودة بخصوص هذا الصدد، ما من وجود لها في أي مكان.