اقتباسات من رواية أيام الشمس المشرقة

المُسَافر، اشْترِ الورد لعلَّك تُقَابل في الطريق مَن يَستحقُّه».

تبدو تلك الأرض التي أُجبرت لسبب ما على تركها خلفك دائمًا جميلة وبعيدة وعصيَّة على الاستعادة، تصبح زمنًا مقدسًا، أو حُلمًا رومانتيكيًّا لا يمكن تعويضه أو تجاوزه في ذاكرتك.

لم يلحظ "أحمد الوكيل" تغيرًا يُذكر في صورة أمه،

مشكلة أم نجوى الوحيدة تنحصر في اعتقادها أن كل شيء حولها يتدهور وأن عليها إيقافه

وانهيار سلالة جدتها المنحدرة من الشركس، وكيف كان أبوها يلعن أيامهم وخِلْفتهم وسُلالتهم في كل مناسبة ممكنة وأنها وُلدت هكذا باختصار وربما نكاية في الشركس، جاءت نسخة مُصغَّرة من وجه أبيها ومن جسد العمة "هانم"، وتشكلت هيئتها في إبداع ربان

: "ذلك بالضبط هو كل ما أحتاجه"، ابتسمت بأكثر الطرق أدبًا، فقال لها موضحًا: "أنا فنان، أعمل في أحد دكاكين الوشم.. التاتُّو، هل تعرفين التاتو؟"، هزت رأسها فأكمل "أنا أحتاج تلك الكلمات، تلك الكلمات هي عادة م

كانت تلك المفردات على الترتيب: (أحبك، حبيبي، أنام معك، أنت ساخنة، أنا خَوَل)، كتبت "نجوى" ذلك بخط رُقعة منقوش على تلك الورقة التي أعطاها لها، فشكرها كثيرًا، وقال: "ذلك بالضبط هو كل ما أحتا

حك "ﭼـون" وأكمل: "بلاد فقيرة.. أليس كذلك؟ إنها منطقة موبوءة بالخراب"، وأكمل: "آشفيلد أيضًا مدينة موبوءة وأكثر خرابًا م

الأوسط"، كما لو كان ذلك يعطيه مبررًا كافيًا لإعادة النظر في وجودها.. فقال بحدَّة: "آه أعرف ذلك البلد في شمال أفريقيا كما أعتقد.. أعرف أن تلك المنطقة هي أصل كل المصائب والحروب الدائرة في نشر

ي قاعة الانتظار بمطار "آشفيلد" وقفت "نجوى" تنتظر مَن يستقبلها، كانت تتوقع لافتة تحمل اسمها واسم رفيقتها في السكن "ياسمين العامري".. لكن اللافتة لم تظهر؛ كانت العاصفة الثلجية قد أغلقت المطارات والطرق فجلست "نجوى" في مقاعد الانتظار ريثما يأتي الفر

نامت، نامت طويلًا بعد أن قررت السفر إلى حيث يرقد جسد الجَدَّة والأب والعمة "هانم"، قررت أن ترحل فحملوها وتركوها خلفهم في تلك المقابر الموحشة لترتاح أخيرًا بجانب مَنْ تحب ومَن لا تحب.

كعضو في هيئة التدريس نوعًا من التغير الجوهري في بنية القسم العلمية، صار أكثر طراوةً وأنوثةً وانفتاحًا، وضاق ذلك المناخ الجديد بحضور "نجوى"، ذلك الحضور الباهت المتخاذل المتردد المحافظ.

صبح لطيفة وجميلة وراقية ومثيرة ولافتة للنظر، جسَّد حضورها المتطور والمتعدد كل ما اشتهت "نجوى" الوصول إليه وعجزت عنه، فكرهتها وكرهت قدرات الأخريات في الوصول السريع والآمن إلى ما يُرِدْن.

العلمية القصيرة للسفر التي خصَّ بها "يوسف الأزهري" تلميذته "نجوى" كانت تبدو محاولةً للخلاص من وجودها، أو مكافأة سخية على خدمات الدعم العاطفي التي قدمتها على مدى ثلاث سنوات، شاهدت فيها كيف عبَرت "زهرة" من مرحلة العاهرة الصغيرة إلى العضو

"أحمد الوكيل" في طقوس الحزن ما يلائم مزاجه، صار مشهد السير خلف الجنازات ورائحة القبور وهي تفتح أبوابها، ولحظات الترمُّل والانفجارات بالبكاء طقسًا محببًا إليه، يقترب من تلك الكتل البشرية السوداء والتي تتجمع مساء كل خميس في المقابر، ويشرد خلف

والحكي عن تلك البلاد البعيدة والقرى الصغيرة التي تركها خلفه، يحكي عن طفولته وأم حنان وأمه، أيقنت "نعم" أن قلبه قد سقط في تلك الهوَّة التي تُسمَّى البوح والفضفضة، وأنه قادم لا محالة إلى حيث أعدت العدة لاستقباله.

يتعافى بالضرورة بعد فترة، وعلى هذا الأمل تعلقت به مثل عقرب صغيرة وجدت شقًّا في سقيفة بيت متهالك، فأفرخت وتكاثرت واستوطنت تلك الفجوات التي وجدتها فارغة في جنباته.

"ظل جسدها -وهو يسير على حواف القنوات الطينية والطريق الترابي- يتحول إلى رقعة في قلبه، لم تتمكن امرأة من رتقها بعد بين ذراعيها".

"كانت تملك قدرة على الصمت المطلق، الصمت الذي يستمر لأيام، وحين تفتح فمها فلابد أن يكون لأسباب قاهرة".

قرر سكان "الشمس المشرقة" ردًّا على ذلك تجاهل الاحتفال بالهالوين وإلغاء رحلات الصعود الموسمي لجني الحلوى، والاكتفاء بالاحتفال بأيام الموتى الثلاثة وبحلوى السكر الرديئة والتومالي وعرائس الكاترينا والجماجم والشموع والأرواح الطيبة التي تزورهم، رغم كل شيء، وتترك خلفها تلك الذكريات