اقتباسات من كتاب حديث نفس

ورُبَّ شَرْبةٍ أحيَتْ نفْسًا، ورُبَّ قليلٍ شَوَّق إلى كَثيرٍ، والعاقِلُ مَنْ ابتدأَ بِالكَلِمَةِ ليَقْرَأَ كِتابًا، وبالخيطِ ليَنْسِجَ ثيابًا.

هذا كتابٌ يَسقِيكَ ولا يَروِيكَ، ولَكِنَّ السَّائِرَ في الصَّحراءَ يَقْنَعُ بِبَلِّ الشِّفَاهِ، والظَّمآنُ يَفْرَحُ بِيَسيرِ المياهِ.

فالكَمالُ هو الوِجْهَةُ التي نَسيرُ إليها ولا نَبلُغُها، بَلْ كَمالُكَ حيثُ تَنتهي رِحْلَتُكَ بانتهاءِ عُمرِكَ، وعَمَلِكَ وسَعْيِكَ.

فالحُريَّةُ الحقيقيةُ في المَعرِفَةِ، لا في الظُّهُورِ ولا في الخَفَاءِ، الحُريَّةُ الحَقِيقيَّةُ في الاتساقِ مَعَ الحقَائقِ لا في التصَالُحِ مَعَ النَّاسِ؛

فمِنْ أشَدِّ ما يَحجُبُنَا عَنْ نُفُوسِنَا هو قِلَّةُ تَصالُحِنَا معَ عُيوبِنَا، وشُعورُنَا المُستَمِرُّ بالذَّنْبِ، وبأنَّ العَيْبَ نَقيصةٌ، وخلطُنَا بَيْنَ رِحلتِنَا في تَكْمِيلِ نفُوسِنَا، وإصِلاحِ عيُوبِنَا، وبَيْنَ حَقيقَةِ أنَّنَا بَشرٌ لَنْ نَبْلُغَ الكَمالَ المُطْلَقَ أبدًا.

فلمّا كانَ العَقْلُ وزَيرًا غَيْرَ مَأمُونِ العَاقِبَةِ، لا يُؤمَنُ مَيْلُهُ لِجِهَةِ الإفراطِ أو التفريطِ، جاءَ مَدَدُ السماءِ بالشَّرَائِعِ، لتَكُونَ وزِيرًا لا يَحيدُ، وجاءَ الأنبياءُ لِيَنْصَحُوا العَقْلَ ويُرشِدُوا النَّفْسَ، ويُبيِّنُوا جِهاتِ الهِدَايَةِ وطَريِقَ السَّيْرِ.

فمِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ:

‫١. أنْ تُدْرِكَ الصِّفَاتِ المشترَكَةَ للنَفْسِ الإنسانيَّةِ.

‫٢. أنْ تَنْظُرَ إلى نَفْسِكَ في تقلُّبَاتِ الموَاقِفِ وتَضاعِيفِ التَّجَارِبِ.

‫٣. أنْ تَنْظُرَ فيما تكرَهُهُ وتُحِبُّهُ في غَيْرِكَ، وتَبْحَثَ عَنْهُ في نَفْسِكَ

فنَفْسِي صَاحِبَتي في دُنيَاي؛ إنْ أحسَنْتُ صُحبتَهَا وسِياستَهَا، أحسَنَتْ صُحْبَتي في رِحْلَتِي، فبلغنا سويًّا غايةً أرجُوها وأطلُبُهَا.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ - بَعَدَ اعتيادِ الصِّدْقِ مَعَ النَّفْسِ والوَعْي بِهَا - يَبدأُ كُلُّ إنسانٍ - وَفْقَ مُعتقَدِهِ، ووَفْقَ مَعرفَتِهِ - في إصلاحِ ما يُؤمِنُ بأنَّهُ خطٌأ، وَيبدأُ رِحلَتَهُ نَحوَ الكَمالِ مِنْ غَيرِ رَغبةٍ في الكَمالِ!

أن نَصِلَ إلى هذهِ المعادَلَةِ: أنْ نَعْرِفَ نُفُوسَنَا، وفي نَفسِ الوقتِ أنْ نتصالحَ مَعَ الألِمِ الذي قَدْ نَكتَشِفُهُ في هذه المعْرفةِ وفي الجُذورِ العَميقَةِ التي تُخفِيها أروَاحُنَا، وذلكَ كَمرحلةٍ أُولَى للإقرارِ بِالحقَائِقِ والاعتيادِ على مُصارحِةِ النَّفسِ بِهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ

‫ فالحُريَّةُ الحقيقيةُ في المَعرِفَةِ، لا في الظُّهُورِ ولا في الخَفَاءِ، الحُريَّةُ الحَقِيقيَّةُ في الاتساقِ مَعَ الحقَائقِ لا في التصَالُحِ مَعَ النَّاسِ؛

وبالجملةِ، فكلما قَوَّيْتَ صُحبتَكَ للنبيِّ ﷺ في سُنَّتِه وسيرتِه، انعكسَ منها - لا محالةَ - شيءٌ على نفسِك، واستفدْتَ من أنوارِها ما يُضيءُ لكَ طريقَ معرفةِ نفسِك.

قد نرَى نسيانَ الذنوبِ بأهميةٍ أقلَّ، بل في الحقيقةِ نميلُ إلى هذا النسيانِ، لأنَّ وخزَ الضميرِ مؤلمٌ حقًا، فبنسيانِنا نرفعُ شيئًا مِن الألمِ عن أنفسِنا.

وشتَّانَ بينَ مَن ينتظرُ مواسمَ الخيرِ ليُصلِحَ قلبَه، وبينَ مَن يُصلِحُ قلبَه لينتظِرَ مواسِمَ الخيرِ!

إنَّكَ أبدًا لَنْ تَعْرِفَ إذا ما كُنْتَ مُتوكِّلًا ومُطمئنًّا لِرِزقِ اللهِ لَكَ مَا لَمْ تَشْعُرْ بِالفَقْرِ أو تَقْتَرِبْ مِنْهُ بِشِدَّةٍ، فيَسْهُلُ على الإنسانِ أن يدَّعِي أنَّهُ لا يَخافُ أمَرَ الرِّزقِ ما دَامَ راتِبُهُ مُستمرًّا، وجَيْبُهُ مُمتَلِئًا، وفي دُولَابِهِ أو حِسَابِهِ

‫ والعَاقِلُ كمَا يَسْتَمِعُ لِغَيْرِهِ، لا يتأثَّرُ بِغَيْرِهِ، فليسَ كُلُّ ما يَقولُهُ النَّاسُ صِدْقًا وحَقًّا، وليسَ كُلُّ ما يَقولُونَهُ بَاطلًا مَحْضًا، وكُلَّما كان واصِفُكَ أعقلَ وأنضجَ وأكثَرَ لَكَ خِلطةً، سهَّل عليكَ الأَمْرَ، وأعانَكَ على الفَصْلِ.

الوهمُ: خيالٌ جالَ في القلبِ فصَدَّقَهُ، فلما صدَّقَهُ توهَّمَهُ واقعًا، فزادَ فيه ألْفَ وهمٍ، فهو منكَ ابتداءً وأنت إليه انتهاءً.

‫ فإنْ تَمكَّنَ منكَ عجَزْتَ عن الخروجِ عن سطْوَتِهِ، وعسُرَ عليكَ الانتباهُ من غفلتِهِ وسَكْرَتِهِ.

ما شرَدْتُ يومًا ثمَّ طرَقْتُ بابَهُ فشعَرْتُ أنَّهُ أُوصِدَ لغيرِ رجعةٍ، بل دائمًا أشعرُ أنَّهُ يَقبلُني على كلِّ حالٍ، حتى لو ردَّكَ الخلقُ وكرِهُوكَ.

ما شرَدْتُ يومًا ثمَّ طرَقْتُ بابَهُ فشعَرْتُ أنَّهُ أُوصِدَ لغيرِ رجعةٍ، بل دائمًا أشعرُ أنَّهُ يَقبلُني على كلِّ حالٍ، حتى لو ردَّكَ الخلقُ وكرِهُوكَ.

ما شرَدْتُ يومًا ثمَّ طرَقْتُ بابَهُ فشعَرْتُ أنَّهُ أُوصِدَ لغيرِ رجعةٍ، بل دائمًا أشعرُ أنَّهُ يَقبلُني على كلِّ حالٍ، حتى لو ردَّكَ الخلقُ وكرِهُوكَ.