اقتباسات أحمد بهجت

فلمّا نزل الإسلام عليهم، صاروا هُداةً البشرية.. وسادتها وعلماءها بالحق.. وأخذ عنهم الغرب ما يريده لتقدمه، وظلّ يزحزحهم عن الإسلام حتى عاد الإسلام إلى الكتب، ولم يعُد له وجوده الحي المؤثر في الناس، بعدها صار سهلًا على الغرب أن يحكم المسلمين بما أخذه منهم من العلم.. وأن يسوقهم قطعانًا مدهوشة إلى حظائر منتجاته واكتشافاته، وهي أشياء كان ينبغي أن تكون من اكتشافهم وإنتاجهم، لو أدركوا معنى الإسلام وحرصوا على إحيائه.

– من العدم المطلق، إلى بلايين النجوم، إلى قطعة الصلصال، إلى الخلية الحية، إلى مخلوق يكتب الشعر ويبحث في السماء ويعرف الحب ويجرؤ على إنكار خالقه. يعطيه خالقه العقل الإنساني ويعطيه أدوات الجدل، ويمنحه حرية يؤمن بها أو ينكر.

‫ أي قدرة وأي حب..

‫ ربنا لا نحصي ثناءً عليك. أنت سبحانك كما أثنيت على نفسك.

‫ يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)

‫ إن الله لا يخوّف الذين يرتدون عن دينهم، بأن يلقيهم في النار، أو يصُب عليهم النحاس المصهور، وإنما يخوّفهم بالحب، بأن يستبدل بهم قومًا يحبهم ويحبونه!

‫ كم ابتعدنا عن الإسلام! وكم نتعلق بأستاره ونهدر روحه!

‫ ويبدو لي أن هناك سلمًا صعوديًّا للقيم في الحياة، وفي موضع ما من هذا السلم، يوجد خط لعله وهمي، إذا كان المرء تحته فهو «يوجد» وإذا كان فوقه فهو «يحيا».

وهكذا قبع الناس وراء الخوف، وأذلهم الخوف من الخوف. وفي حياة الإنسان لحظات يدعى فيها إلى موقف فإن أجاب نجا، وإن لم يجب ضاع نهائيًّا.

مثلما نملك طاقة هائلة من المرح نملك قدرة على النفاق الاجتماعي لا مثيل لها في العالم.

إذا فهم التوحيد على حقيقته، تحرّر الإنسان من عبوديته لغير الله.. وتحرّر الإنسان من خوف الموت، وهَمِّ الرزق.. وتحرّر الإنسان من شُحِّ النفس، ورعب الأيام القادمة..

وخشية الله لا تنبع إلا من العلم، يستحيل أن يلد الجهلُ بأي صورة من صوره أيَّ خشية من أي نوع.. والعلم في الإسلام إذن ضرورة أساسية.. وليس ترفًا أو حلية.. ولقد عزّ المسلمون وحكموا الأرض يوم فهموا الإسلام على حقيقته.. فلمّا سقط منهم هذا الفهم، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه في الجاهلية.. عادوا لا يملكون من أمورهم شيئًا، فضلًا عن أمور العالم..

أن الإيمان بالإكراه ليس إيمانًا، ينقصه الاختيار الحر.. وهو شرط الإيمان. ولعل من تمام كمال الإسلام موقفه هذا.. ونحسب دون أن نُقحم تفسيرنا على الآيات.. مستغفرين الله من الخطأ والزلل.. نحسب أن الإسلام أراد بموقفه هذا أن يجنّب عامة أتباعه هذا الجدل الطويل العريض حول عقائد الآخرين. وهو جدل لا ينتهي إلى شيء ذي بال. ليبحث العلماء كيفما يشاؤون في الأديان، فهذه مهمتهم أولًا وأخيرًا. أما عامة المسلمين فعليهم أنفسهم.

❞ وذهب فريق إلى التسليم في أمرها.. والتوقف. ونحن نختار هذا الرأي.. أن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئًا بالقياس إلى العبرة التي تُستخلص مما حدث فيها. ❝

أُصبِح وليس لي شيء وأُمسِي وليس لي شيء. وأنا طيّب النفس غير مكترث. فمَن أغنى مني وأربح؟!

أفهم عيسى كهنة اليهود أن الدعاة إلى الله ليسوا جلَّادين منتدبين لتطبيق حكم الشريعة دون نظر إلى المجتمع الذي تجري فيه الخطيئة. إنما يجيء الدعاة إلى الله أساسًا رحمةً بالناس. والرحمة هي هدف كل هذه الدعوات الإلهية..

أين أنت من غريب لم يتزحزح عن مسقط رأسه، ولم يتزعزع من مهب أنفاسه؟ أغرب الغرباء مَن صار غريبًا في وطنه. أغرب الغرباء من تأتيه الغربة من باطنه.

كنا نفهم أن الحكومة قد قررت تدريس الدين. ولكن الحكومة لا تأخذ الدين مأخذًا جديًّا. بل لعلها تخاف إن بعثت روحه أن تقضي عليها هذه الروح.

وكعادة الدنيا كان كلُّ شيء يتصارع مع ضده.. الخير والشر، النور والظلام، الحقيقة والكذب، الأنبياء والطغاة، كلُّ شيء كان يعيش صراعه من أجل البقاء.

❞ على الحاكم أن يطعم المحكوم.. وإلا فلا طاعة مع الجوع. ❝

قال صديقي:

‫ – نمر على الجامع، ونخطف ركعتين لله.

‫ ترددت الكلمة في وعيي بغرابة.

‫ نخطف ركعتين لله. يرتكب الناس ذنوبهم بإتقان وتأنٍ ورسم سابق وخطط محكمة وإعداد قديم، فإذا تعلَّق الأمر بالخالق خطفنا له ركعتين.

عاد بنو إسرائيل إلى ظلمهم لأنفسهم.. اعتقدوا أنهم شعب الله المختار، وتصوَّروا انطلاقًا من هذا الاعتقاد أن من حقهم ارتكاب أي شيء وكل شيء.. وعظمت فيهم الأخطاء وتكاثرت الخطايا وامتدّت الجرائم بعد كتابهم إلى أنبيائهم، فقتلوا مَن قتلوا من الأنبياء..

وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع الكارثة، ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتجّ نبي الله موسى على تصرفٍ يجري أمامه، ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكليّة التي تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة..