اقتباسات فاطمة عبد الحميد

قد تحتملُ المرأة أن يخونَها جسدُ زوجها، أو أن يقول لغيرها ما يقول لها من كلامٍ معسولٍ، لكنّها لا تستطيع مطلقًا أنْ ترى امرأةً أخرى في قلبه، لذلك تُفضّل أن تبقى في عماها على أن يأتيها معترفًا.

لعلّ أكثر ما يُثيرني هو أنْ أراقبَ شخصًا يموتُ على غيرِ يديّ… كالموتِ حُبًّا، والموتِ غُربةً ووحدَةً، وكلاهما لا يمتّانِ إليَّ بصِلةٍ، فكلّ موتٍ ما عداي، يظلُّ مطالبًا بتقديم أسْبابِه.

هكذا تصبح الأجساد، وهي تسلك طريقَها إلى عمق الأرضِ… أجسادًا خاليةً مِنْ كلِّ الضّغائنِ، وبلا ذاكرةٍ.

لا شكَّ في أنَّ الصُّورَ والمواقفَ الّتي يُسْقِطُها الإنسانُ عمْدًا منْ ذاكرتهِ تخرجُ تلقائيًّا مِنْ حياتِهِ. لكنّها، إذا حضرَ منْ يوقظُها، تعود في صُورةٍ يشمئزُّ مِنْها صاحبُها، كأنّهُ لمْ يتعلّقْ بها يومًا.

وتملّكَهُ يقينٌ من أنَّ ما يشعر به هو الحبّ… هذا الّذي ينمُو بسُرعةٍ، كما تنمُو بَذْرةٌ في فيلمٍ وثائقيٍّ مُسرّعٍ، لتُصْبِحَ نبْتةً في ثوانٍ ولمْ يكنْ هذا خطأَهُ وحدَهُ، بلْ خطأَ معظمِ البشَرِ، إذْ يظنُّونَ أنّ الحبَّ يكمُنُ في شخْصٍ واحد يظهر فجأة و عليهم أن يتمسكوا به لأنه لن يتكرر طوال حياتهم.

وليْسَ هذا الجدُّ ذو الرّتبةِ العسْكريّةِ الرّفيعةِ وصاحِبُ الهيئةِ المَهيبةِ، وحدَهُ مَنْ يظنّ أنّ الحياة ستكون منقوصةً دونه، فكلُّكم تعزّون أنفسكم بذلك

هذا لا يعْني أنّني لا أندمُ مِنْ وقتٍ إلى آخر، فقدْ مرّتْ عليّ أوقاتٌ، تمنّيتُ فيها لو كُنْتُ قادِرًا على إعادَةِ مَيِّتٍ إلى أهْلِهِ، والتّراُجعِ عنِ الطّريقِ الوعْرِ الّذي بدَأْتُه. فبعضُهم يمحُو الحياةَ بعْدَهُ، ويترُكُ خلفَهُ ناسَهُ وقدِ انشغَلُوا بهِ كثيرًا، وأفرغُوا حياتَهم مِنْ كلِّ شَيْءٍ عَداه.

عندئذ، رحمة بهم، أمارس أقدم خدعة في الكون... فأنسيهم الحزن القديم، بحزن جديد.

في الحقِيقَةِ، يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ.

نعم! أنا أسوأُ مخاوفِكَ، وأنا كاتمٌ سِرَّ زيارتِي المباغتةِ لكَ، وهذا ما لنْ يحبَّهُ كلُّ مَنْ يهتمُّ بأمْرِك ولتعلَمْ فحَسْب، أنّه لا فرقَ بيْنَ أن تُولِّيَ وجهَكَ شطْرَ الحائطِ لحظةَ وصُولي أو أن تُولِّيَ له ظهْركَ، ففي كلتا الحالتينِ لنْ تستطيع مني إفلاتًا.

يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ

وإنْ كنتُ أُحَدّثكَ مُباشَرةً بصَوتِكَ أنتَ، فلأنّ صَوتي لنْ يكونَ مُستَساغًا. ستتأكّدُ مِنْ هذا حينَ نلتقِي وَجْهًا لِوَجْهٍ، فنحْنُ سَنلتقِي لا مَحالةَ، مَهْما أَهْدَرْتَ مِنْ وقتٍ بعيدًا عنّي… لا تنظُرْ إلى ساعتِكَ، وكأنّ أمْرَ الوقْتِ يهُمُّكَ إلى هذا الحدِّ،

لا توجد في الموت أيُّ مصادفةٍ، هكذا هو الأمرُ، فما يأتي إليكَ، يأتي إليكَ باسمِكَ شخصيًّا، لكنَّ النّاسَ يأبَوْنَ التّصْديقَ، إذْ يرفُضُ الجميعُ هذا النّوعَ مِنَ الألمِ، ألمِ وضْعِ النّقطةِ الدّاكنةِ في نهايةِ السّطرِ الأخيرِ منْ حياةِ أحدِهم، ويصعُبُ عليهم

إنَّ جميعَ مَنْ على هذا الكوكبِ، خطٌّ مُتعرِّجٌ مِنَ التّناقضاتِ. فهمْ يبجّلونَ النّورَ، ويهربونَ منهُ أحيانًا، لأنّهُ يكشِفُ سوءاتِهم. وتجذِبُهم العتمةُ، ويهابونُها في آنٍ واحدٍ، والأدهى أنّهمْ يريدُون المزيدَ منَ الحياةِ، وهم غيرُ مؤهّلينَ للعيشِ فيها

من هذا العلوّ، أرى البشر يسيرون كالعميان.

يبدو أنّها رأت نفسها في أعيُنِ رجليْنِ، في اللّحظةِ ذاتها، وهذا، إحقاقًا للحقّ، أمر يدعو إلى البكاء

لعلّ أكثر ما يُثيرني هو أنْ أراقبَ شخصًا يموتُ على غيرِ يديّ… كالموتِ حُبًّا، والموتِ غُربةً ووحدَةً، وكلاهما لا يمتّانِ إليَّ بصِلةٍ، فكلّ موتٍ ما عداي، يظلُّ مطالبًا بتقديم أسْبابِه.

«عندما تهمّ بالتقاطِ حجرٍ من الأرضِ، فعليكَ أن تستعدّ لما ستجده تحتَهُ، وإذا لم تكن مستعدًّا لذلك، فلا تفكّر في التقاطه منذُ البَدْء

❞ سأخبرُهم لاحقًا»، قال في نفسِهِ. ومازلتُ أجهلُ حتّى اللّحظة، كيفَ يضبطُ البشرُ ساعاتِهم على هذِهِ الـ «لاحقا»؟! ❝

وأنتَ واقفٌ بينَ جُدرانِ مقبرةٍ، عليكَ ألّا تسألَ عنْ جدوى الحياةِ، بينما ترى الدّودَ يرثُ كلَّ منْ أحببتَ.

لا توجد في الموت أيُّ مصادفةٍ، هكذا هو الأمرُ، فما يأتي إليكَ، يأتي إليكَ باسمِكَ شخصيًّا، لكنَّ النّاسَ يأبَوْنَ التّصْديقَ، إذْ يرفُضُ الجميعُ هذا النّوعَ مِنَ الألمِ، ألمِ وضْعِ النّقطةِ الدّاكنةِ في نهايةِ السّطرِ الأخيرِ منْ حياةِ أحدِهم، ويصعُبُ عليهم