اقتباسات آرثر شوبنهاور

نحن مثل رجلٍ يركض نزولاً، لا يستطيع أن يبقى على رجليه إلا إذا تابع الركض، وسوف يقع بلا شك إذا توقف‏. ‏أو أيضاً مثل عمود يوازنه المرء على طرف إصبعه، أو مثل كوكبٍ سيصطدم بشمسه في اللحظة التي يتوقف فيها عن متابعة طريقه‏. ‏إن اللااستقرار صفةُ الوجود‏.

‫ ‏في عالمٍ كل ما فيه غير مستقر، ولا شيء يمكن أن يبقى بل يُدفع نحو الأمام فوراً في زوبعة متسارعة من التغيير‏. ‏حيث الإنسان، إذا أراد البقاء واقفاً، عليه دوماً أن يتقدم ويتحرك،

إن معظم الناس، إذا نظروا إلى الوراء بعد وصولهم إلى نهاية الحياة، يكتشفون أنهم كانوا دوماً يعيشون مؤقتاً، وسيتفاجؤون إذْ يكتشفون أن الشيء ذاته الذي تجاهلوه، وتركوه يمرُّ من دون أن يستمتعوا به، كان هو الحياة التي قضوا كل وقتهم يتوقعونها‏. ‏كم إنسانٍ لا نستطيع القول عنه أن الأمل جعله أحمقَ حتى وصل راقصاً إلى يدي الموت‏!

فأساس السعادة في جوهره، قائم في البنية الحيوانية للكائن، أعني في عافيته الجسدية وصحته الباطنية، إذ هما وحدهما ما يمنحان للوجود نكهته الخالية من الكدر، ويمدان الحياة اليومية بخفة لا تُشترى.

يُنصت إلى العالم من داخله، ويتأمل لا ليتعلّم فقط، بل ليوجد. بالنسبة إليه، الانشغال بذاته ليس ترفًا، بل حاجة ملحّة.

الحياة العقلية، لا تحمي صاحبها فقط من الضجر، بل من السقوط، من الأصدقاء الخطرين، ومن التجارب التي تُكلّف ما لا يُطاق. وهنا أعترف بصدق إن فلسفتي لم تُعطني الكثير، لكنها حمَتني من الكثير.

يُعدّل جوهره ليرضي ذوق الجماهير الرديء.

‫إنها الحماقة بعينها، أن تبيع نفسك لتشتري الخارج، أن تُقايض راحة بالك، وسكون لحظاتك، واستقلالك، مقابل عظمة زائفة، ولقب شرفي، ومجد مصنوع من ورق. لقد فعل جوته هذا، أما أنا فلن أفعله.

إن الشرّ هو ما يُحرّك عجلة هذا العالم، والبلادة هي الصوت الأعلى فيه، والناس في قبضة القدر كأوراقٍ تتلاعب بها الرياح.

يأنس إلى وحدته، ويملأ فراغها بما لديه من نور، فيُؤنّث عزلته، ويجعل حتى الصحارى عامرة، بما يحمله في روحه من حياة.

‫فالنشاط الذهني، حين يتجدد، يقي الإنسان من الملل، ويمنحه طاقة لا تنفد، لكنه، في المقابل، يزيد من حساسيته للألم، فكل عقل حيّ هو أيضًا قلب حيّ.

‫ومن هنا تولد المفارقة. فالذكي ينجو من الملل، لكنه يتعذب بالألم.

ولكن إن تأملنا وضع الإنسان، رأينا أن أعظم ما يعوق سعادته،

‫ هم عدوان خفيّان، الألم والملل.

وقد وصف إسكيرول هذا الحال بتفصيل، في كتابه عن الأمراض العقلية، وكشف عن أن الانتحار لا يرتبط فقط بالضعف، بل أحيانًا بالوعي الحاد جدًا، المؤلم جدًا، الذي يُدرك أكثر مما يحتمل.

ولهذا، فإن من يعيش حاضره كاملاً، غير موزّع بين ماضٍ يحترق ومستقبل لم يُكتب، هو من يستحق أن يُقال فيه:

‫"ذاك إنسان عرف كيف يكون سعيدًا."

ولهذا، فإن من يعيش حاضره كاملاً، غير موزّع بين ماضٍ يحترق ومستقبل لم يُكتب، هو من يستحق أن يُقال فيه:

‫"ذاك إنسان عرف كيف يكون سعيدًا."

لا المذاق يُحسّ، ولا البهجة تُدرك. وما يهمّ، في نهاية المطاف، ليس حجم المصيبة، ولا وفرة الحظ أو ندرته، بل كيف تتلقّى ما يحدث، وكيف يتفاعل داخلك مع الخارج.

إذ ما من لذة أرقى من تلك التي تولد من عقل حي، يخلق من التأمل عالَمًا، ومن الوحدة نزهة.

الحيوان لا يخرج من حدوده، ولا تتغير نظرته مهما غيّرنا محيطه،

‫ كذلك الإنسان، لا يتذوق إلا ما يتّسق مع تكوينه الداخلي.

الحيوان لا يخرج من حدوده، ولا تتغير نظرته مهما غيّرنا محيطه،

‫ كذلك الإنسان، لا يتذوق إلا ما يتّسق مع تكوينه الداخلي.

إن كل إنسان هو انعكاس دقيق لما يختزنه من عقل ومشاعر وإرادة. وكل ما هو خارجه، لا يصل إليه إلا بقدر ما يسمح به داخله.

فما يصنع سعادة الإنسان أو شقاؤه، هو ما يدور في داخله، لا ما يحيط به من الخارج. هناك، في تلك الأعماق الخفية، تُصاغ إرادته، وتتشكل نظرته، وتنبض حساسياته الخاصة. أما العالم الخارجي، فمهما بدا هائلًا، فإن تأثيره فينا مرهون بدرجة انفتاحنا عليه، لا بقوته الذاتية.

فأين الدين الذي لا ينظر أتباعه إلى الصلاة على الأقل.. والترانيم الغنائية وضروب أخرى من الطقوس التعبدية إلى حد ما كبديل جزئي عن السلوك الأخلاقي؟.