اقتباسات روزينا فوزية الراوي

من الممكن قيام النساء بتحرير أنفسهنّ من الضغوط الاجتماعيّة بواسطة الرقص أكثر منه بواسطة أي فنٍّ آخر. وهذا يعني أن المسألة تكمن في طبيعة الجسد الأنثوي: قد يحمل الرقص النساء على الشعور ليس فقط بأجسادهنّ برهافةٍ واضحة، بل أيضاً بحالة الأسر الاجتماعي غير الملائمة التي يعيشون في كنفها

لقد بدت حركة التربية البدنيّة الملازمة لهذا التطوّر متلائمةً مع متطلّبات النساء بصفةٍ خاصة. واكتُشف الرابط الوثيق بين الجسد، والثقافة، والأنوثة. وتطوّر مفهومٌ جديد للأنوثة. وأخذت راقصاتٌ مثل إيزادورا دانكن على عاتقهنّ استخدام رقصهنّ لاستعادة النساء فهمهنّ لحرّيّة جسد المرأة، وتناغمه

أدّت إلى موقفٍ جديد من الجسد الذي انتقل مركز الثقل فيه من البطن إلى منطقة الصدر. وجعل هذا "الانتقال إلى الأعلى" الجسد أكثر خفّةً، متحرّراً من صلته بالأرض، في حين أن الأشكال المختلفة لحركات أطرافه باتت متعدّدة(22). وباتت عمليّة التنفّس مقتصرة على القسم الأعلى من الجسم من خلال انقباضات عضلات البطن. واعتُبرت هذه الطريقة انعكاساً للنّبالة والأرستقراطيّة

فإن الرقص كرقصة هز البطن التي تقودها القوة الجنسيّة للمرأة، وخبرتها الحياتيّة، وثقتها بنفسها،

وتجلّى فقدان النساء لنفوذهنّ الاجتماعي في حرّيّة حركتهنّ المقيَّدة وفي المهام الجديدة لرقصهنّ. وللمرّة الأولى، نجد ما يشير إلى وجود راقصاتٍ محترفات، فتياتٍ ونساء، يرقصنَ للترفيه عن الآخرين، ممّا يُظهر أيضاً الانتقال من المقدَّس إلى المدنَّس، ومن ثمّ إلى الرقص الاستعراضي. واستُبدلت الرقصات الطقسيّة والشعائريّة التي كان يؤدّيها المجتمع ككل برقصاتٍ ترفيهيّة تؤدّيها احترافيّات.

إن الشهوات الحسّيّة والجنسيّة المرتبطة بالأرض، والتي تعبّر عنها النساء من خلال الرقص

إن الطاقة الجنسيّة هي الطاقة الأقوى التي تسري في الجسد. والحركات التي تستحثّ الطاقة بشكلٍ كبير هي الدوران، والارتداد، وهزّ الوركَين والحوض، إضافةً إلى انقباضات البطن؛ وكلّها تشكّل رقصة هز

. وتعني كلمة رقص"جعل القلب يرتعش ويهتزّ".

لقد كان الرقص ميزةً رئيسيّة لكل العبادات والأديان القائمة على النظام الأمومي، كما كان الرقص أكثر من مجرّد ثوران عاطفي عابر، وأبعد من طقسٍ تعبيري: في الواقع، كان الرقص الممارسة السحريّة الأكثر أهميّةً على الإطلاق. فالرقص هو الطريقة الأكثر قِدَماً وبساطةً للتعبير الروحي، فهو سحرٌ في

وفقاً لتقليدٍ بدوي يعتبر الشعر مقرّ الروح. لذلك، كان للاعتناء بالشعر أهمية كبرى؛ ولم يكن يُقَص إلا لضرورةٍ قصوى

كان الأمر مسلّياً، وقضيت أياماً أصعد السلّم وأنزل عليه وكأنني ملكة. وهكذا أدركت، على مرّ الوقت، أن قدمي "تبصران" بشكلٍ أفضل يوماً بعد يوم. وشعرت بأن أخمص قدمي بات أكثر تلمّساً، وقدمي أكثر حساسيّةً وتحسّساً. وانتهيت إلى الثقة بهما أكثر فأكثر، ورسخ اتزاني في النهاية في القسم السفلي من جسدي.

قالت لي "دعي قدميك تريان عنك، فهما ستقيانك من السقوط أكثر من عينيك! تحسّسي بأصابعك حافة الدّرجة ودعي عقب قدمك يتلمّس الدّرجة التالية. لتكن وقفتك جالسة ورأسك عالياً!"

وكنت مُثارة لمعرفتي بأنني أحمل في داخلي المصدر الذي من خلاله يولَد كل شيء. ومرّةً بعد مرّة، كنت أراقب الحركة اللولبيّة الداخليّة لحوضي باحترام. وقد حملتني كل هذه المقدرة الداخليّة على الشعور بالأمان والثقة.

وتعلّمك رقصة هز البطن اتخاذ موقفٍ فريد: طريقةٌ جديدة للانفتاح بعيداً عن كل محاكاةٍ عمياء. فهي مصدرٌ للشجاعة والوحي الذي يؤمّن فرصة اكتشاف الذات على مستوى أكثر عمقاً. وهي طريقة للاستمتاع والفهم، وكل ذلك رهنٌ بكيفيّة وسبب تعلمها.

يمكن إعادة إخبار قصة حياة إحداهنّ كما كُتبت في الجسد، وفهمها انطلاقاً من لحظة الرقص المفعَمة بالأحاسيس. وهكذا، تصبح رقصة هز البطن مصدراً للوحي، ووسيلةً لاستعادة السيطرة على الذات وتقويتها، وطريقةً واضحة وديناميكيّة لاكتشاف الرغبات وفهم الذات، مهما كان المستقبل غير آمنٍ وغير مضمون النتائج.

‫ إن الرقص الشرقي فنّ، وهو لذلك يستلزم ثلاثة عوامل: النظريّة، الممارسة، والقلب ولا يمكن لأي نوعٍ من أنواع الفنّ أن يحيا بدونها