اقتباسات دانيال ديفو

ألا فانظر إلى صنائع رحمة الخالق بمخلوقاته وهم في أشدّ ظروفهم بؤساً! وكيف يُحلّي أشدّ الأقدار مرارة، ويعطينا أسباباً لنحمده حتّى ونحن في الزنازين والسجون! وأية مائدة بسط لي في البرية، حيث لم أرَ شيئاً في البداية إلا الموت جوعاً!

فنحن لا نرى حقيقة ظروفنا إلا بمقارنتها مع نقيضها، ولا نُقيم ثمناً لما نتمتّع بهِ إلا عندما نفقده.

أن قيمة الأشياء في العالم تتحدّد بمقدار انتفاعنا بها، وأننا مهما كدّسنا من الأشياء، فلن نستمتع إلا بما نستفيد منه، لا أكثر.

❞ قيمة الشيء تكمن في مقدار نفعِه ❝

‏

فدفعني للتساؤل إلى أي حدٍّ سيقلّ تبرّم البشر من الحياة لو أنهم قارنوا ظروفهم بمن هو أسوأ منهم، فيصبحون حامدين راضين بدلاً من أن يقارنوها بالأحسن منهم فيكونون متذمّرين متشكّين.

وكنتُ كلّما تاقت نفسي لتبادل الحديث مع إنسان آخر سألتُ نفسي: أليس التفكّر والحديث مع النفس أو -إذا أمِلتُ راجياً- مناجاة الله، أفضل وأبهج حتّى من أمتع رفقة مع بني البشر في العالم؟

لقد تعلّمتُ أن أنظر إلى الجانب المشرق من حالتي لا الجانب المظلم، وتعلّمتُ أن أُحصي ما تمتّعتُ بهِ بدلاً من أن أُحصي ما ينقصني.

باختصار، التجربة والطبيعة علّمتاني وبعد طول تدبّر، أن قيمة الأشياء في العالم تتحدّد بمقدار انتفاعنا بها، وأننا مهما كدّسنا من الأشياء، فلن نستمتع إلا بما نستفيد منه، لا أكثر.

«إذن، إذا لم يهملُني الله فأية مغبّة أخشى؟ ولمَ أهتمّ بالعالم حتّى لو أهملني. أما لو كان العالم كلّه بجانبي وخسرتُ في المقابل رضا الله وبركته، فلا ريب أن هذا هو الخسران الحقيقي بالمطلق!»

قبل أن أستلقي للنوم، قمتُ بما لم أُقم بهِ طوال حياتي، ركعتُ على ركبتي لأصلّي، وتوسّلتُ إلى الله أن يحقق وعده لي، أي أنني إذا دعوتُه في يوم الضيق فسينقذني.

لقد أخرستني هذه الأفكار، مثل امرئ مشدوه، ولم أُحر جواباً، وضاقت بي الكلمات،

ثم اسأل نفسك ما الذي لم تفعله؟ واسأل نفسك أيضاً، لماذا لم تهلك إلى الآن؟ لماذا لم تغرق في مسالك يارموث2

لماذا فعل الله ذلك بي؟ ما الذي فعلته لأُظلَم هكذا؟ فأوقفني ضميري عند هذا الحدّ من التساؤلات كما لو أنني كنتُ أُجدّف، وكأني بهِ يخاطبني قائلاً: «أيها الملعون التعيس! أوَتسأل ما الذي فعلتَ؟ فانظر إلى حياتك التي قضيتها في العبث، 1

وأنني وصلتُ إلى هذه الحال البائسة بأمره، فهو صاحب القوة والقدرة المطلقة ليس علي فقط، وإنما على كلّ هذا العالم.

فثبت لي بيقين لا يتزعزع أن الله هو الذي قدّر لكل هذه الحوادث لأن تقع عليّ

وإذا كان قد أحاط بكل شيء علماً، فهو يعلم أنني هنا وأنني في هذه الحالة الفظيعة، وإذا كان لا شيء يحدث دون مشيئته، فهو الذي شاء أن يحدث كلّ هذا لي.

الله هو خالق كلّ هذه المخلوقات، وهو من يقودها ويحكمها ويصرّف أمورها، لأن القوة الإلهية التي تخلق يمكنها بالتأكيد أن تحكم وتسيّر مخلوقاتها؛ إذن، لا شيء يحدث في دائرة أعماله العظيمة دون علمه أو مشيئته.