اقتباسات هربرت جورج ويلز

يفكر في ذلك العالم الرائع العظيم الذي كان جزءًا منه في السابق، ذلك العالم الذي كان ملكاً له

‫‏يتحرك نونيز قاصداً الإنعزال في مكانٍ ناءٍ تمامًا، حيث المروج الجميلة المزدانه بالورد الأبيض، وينتوى البقاء هناك حتى تحين ساعة تضحيته العظمى

تبقى إسبوع واحد على موعد العملية التي سوف تنتشله من البدائية وترقيه من العبودية لتسمو به إلى منزلة المواطن الأعمى!‏

- أعتقد أن بإمكاني القول بمنتهى الثقة، أنه لكي يشفى تمامًا فكل ما نحتاج إليه إجراء عملية جراحية بسيطة جداً، وهي أن نستأصل هذه الأجسام المهيجة.‏

‫‏- وهل سيكون بعدها عاقلًا؟‏

‫‏- سيكون عاقلًا تماماً، ومواطنًا صالحاً من الدرجة الأولى.‏

فقط جلدوه بالسوط عدة مرات قليلة ثم أوكلوا إليه عمل بدني شاق لا يحتاج أي تفكير، ولم يجد لنفسه طريقة أخرى للعيش، سوى الخضوع التام لأمرهم.

حتى بعيداً عن بوجوتا لم يتسطيع التخلص من داء الفضيلة! فهو برغم كل شئ لا يستطيع أن يتخيل نفسه يهبط إلى الوادي ليغتال بخسة رجلًا أعمى!‏

تمر أربعة أيام، ويأتي الخامس ولا يزال (ملك العميان) نكرة، مجرد غريب، أخرق، عديم النفع بين شعبه.‏

‫‏ويجد أن تنصيب نفسه ملكًا عليهم أمر عسير أكثر بكثير مما تخيل،

يسمع صوتًا يناديه من القرية فيقف مبتسماً، وقد أنتوى أن يبين لهم أهمية البصر عندما يبحثون عنه ولا يجدونه أبداً

‫‏يقول إن نونيز لا بد أنه قد خُلق خصيصًا كي يتعلم ويخدم الحكمة التي اكتسبوها، وأنه بالرغم من بدائية عقله وتشوش سلوكه، إلا إنه يجب أن يكون شجاعاً وأن يبذل كل ما بوسعه لكي يتعلم، وهو ما لاقى استحسان القوم

- لقد تعثرت، لم أرى أي شئ في هذا الظلام الحالك.‏

‫‏يسود الصمت فجأة، كأن الأشخاص الخفيين حوله يحاولون استيعاب كلماته، ثم ينطلق صوت كوريا في الظلام قائلاً:‏

‫‏- إنه لم ينضج بعد.. لازال يتعثر وهو يمشي وينطق بكلمات بلا معنى.‏

بينما بقى الثلاثة الذين يقودونه قريبين منه كأنهم يمتلكونه، وهم يقولون لكل وافد جديد: ‏

‫- إنه مخلوق‏ بدائي جاء من الصخور.‏

‫‏فيقول مصححاً كل مرة: ‏

‫‏- من بوجوتا.. بوجوتا. من وراء الجبال.‏

‫‏يقول بدرو:‏

‫- مخلوق‏ بدائي.. يستخدم كلمات بدائية..

‫‏- أنا أرى.‏

‫‏يقول كوريا مندهشاً: ‏

‫‏- ترى؟!‏

‫‏فيرد نونيز: ‏

‫‏- نعم، أرى.‏

‫‏ويستدير نحوه ليواجهه لكنه يتعثر في دلو بدرو.‏

‫‏فيقول الرجل الثالث: ‏

‫‏- إن حواسه لم تكتمل بعد.. إنه يتعثر، ويقول كلمات بلا معنى؛ خذ بيده.‏

‫‏فيقول نونيز ساخراً: ‏

‫‏- كما تشاء.‏

‫‏ويتركهم يقودونه،

يقول نونيز:‏

‫- أتيت من‏ خلف الجبال.. من خارج البلاد .. هناك حيث الناس يبصرون، بالقرب من بوجوتا، حيث يعيش مئات الآلاف من البشر، وحيث تمتد المدينة على إمتداد البصر.‏

‫‏يتمتم بدرو: ‏

‫‏- البصر؟!‏

‫‏يقول الرجل الآخر: ‏

‫‏- لقد أتى.. من الصخور

انبثق ذلك اليقين من قلبه يصاحبه شعور عميق بالمغامرة المثيرة الكبرى التي تنتظره.

إن مظهر الرخاء والهدوء في هيئيهم يبعث بالطمأنينة في نفس نونيز.‏

إن أول خاطرة جابت ذهن نونيز وهو يرى مظهر هذا الطلاء العشوائي هي العمى، لابد إن الرجل الذي دهن هذه المنازل كان أعمى كالخفاش!‏

كان متسلق جبال من بلدة قريبة من كيتو، رجل قد ركب البحر وطاف العالم، قارئ نهم للكتب، ومغامر مقدام، رافق حملة من الإنجليز أتوا إلى الإكوادور ليتسلقوا الجبال، بديلاً عن أحد مرشديهم السويسريين الثلاثة الذي أصابه المرض.⁠‫

وفي الجيل الخامس عشر بعد ذلك‏ الجد الذي خرج يوماً من الوادي بسبيكة فضة بحثاً عن الغوث الإلهي، ولم يعد بعدها قط. تصادف أن يقتحم رجل من العالم الخارجي هذا المجتمع المنغلق.‏

‫‏وعندما مات آخر المبصرين وأختفى البصر من بينهم نهائياً، كان الجيل الجديد قد تأقلم جيداً على العمى، فقد كان لديهم كل الوقت كي يعتادوا الحياة بلا بصر ويجيدون السيطرة على النار التي يوقدوها بحرص في مواقد حجرية لتدفئهم.⁠‫

كانوا يؤمنون بالخطايا؛ وقد أعتقد هذا الرجل أن سبب ‏هذا البلاء يكمن - بلا شك - في أن‏ هؤلاء المهاجرين لم يكن من بينهم أي كاهن، فغفلوا عن بناء معبداً فور وصولهم للوادي.