للصدفة الغريبة حين انهيت قراءة رواية مولد سيدي القطقوطي أجد تريند "صاوي" يتربع علي منصات التواصل كافة.. ولولا اني مدرك ان الرواية مكتوبة منذ فترة لتخيلت ان لعدولة يد في تريند صاوي او ان صاوي من فرد اساسا من العائلة الكريمة والذي جعل مي حمزة تستقي الفكرة منه.
الرواية علي مستوى الفانتازيا للخفيفة مع واقعية سحرية ممتعة بشكل جميل وسهل الاحداث والحكي مختلفين وهذا ليس بجديد ع مي حمزة حيث انها في الرواية السابقة جعلت السرير هو الراوي فلا عجب من راوي هذه الرواية وكيف نسج خيوط الاحداث بين الواقع و-السرحان- وبين ما حدث في مخيلته هو او هكذا كان.
لاول مرة في القراءات الحديثة اري تنوع الشخصيات داخل العائلة الواحدة مما يدفعك لفك التشابك بورقة وقلم مثلما اعتاد قراء الادب الغربي او المترجمات فهذه زوجة ذاك وهذا تزوج زوجة اخية والعكس ايضا حدث وان كنت غير مدرك للخيوط الدرامية لكل منهم فستعود من اول الرواية عند بداية ذكر كل منهم..اعتبر هذه نقطة قوة وفرد عضلات حميد في كتابة رواية متعددة الابطال والشخصيات فكما جعلت مي الخيوط متشابكة الا انها فكت البكرة كل لون ع حد وغزلت علي النول منسوجة رائعة جميلة لا تخلو من الخيال ولا شحذ التفكير طوال مدة القراءة.
عادة حينما تقرأ رواية مزدحمة بالشخصيات فتهرب منك شخصية او تسقط من حسابات الكاتب كأنها ثانوية ويركز علي اكمال خطوط مع الابطال الهامين لكن علي العكس تماما فمع هذه الرواية لكل منه خطه الدرامي ولكل خط عقدة ونهاية لن تتركك مي في وسط الرواية تستغرب لو تتعجب لا ستباغتك بعودة الغئبين كل منهم في مكانه وتاريخه كما تتمنى وكما ينبغى لسير الاحداث وان كان لا يخلو ذكر احدهم من تح ل درامي مهم لكنه مذكور بشكل متداخل مع الاحداث بتنسيق حَذِر وتوظيف منمق.
ربما يصيبك الملل من تكرار فكرة القطقوطي وذكره او لتمحور الاحداث حوله لكن مهارة الكاتبة تجعلك تتحرك من كل زاوية تجعل كل شخصية تنظر له من ناحية رغبتها سواء ان كان توظيفها للخرافة او استخدام الدجل من ناحية وحين كان الموضوع من التربح من جهل الناس او إلقاء القصص والاساطير التي تغيِّب عقل المستمع وتجعله يبذل ويدفع فقط من اجل البركة او النذور ليصل لمراده ببركة صاحب المقام.
تتطور الفكرة بذكر المكان بشكل مبهم وذكر الزمان بشكل بسيط لتوضح ان الخرافة متكررة ومستمرة مادام الجهل يسيطر ومادام هناك من يتقن الحكي وتشكيل الاساطير ليجني منها الارباح دون الالتفات للاصل التاريخي او للبُعد الديني او لصحة مايمارس في هذه الموالد من اعمال منافية للدين وللآداب او للعلاقة مع كل قطقوطي في ربوع البلاد.
رواية ساخرة بشكل مبطن فحين تقرأ وتصل لفصل للعنامة التي تُلقى علي رأس او رجل الرجل لتحدد مصيره من الحياة او الموت بغض النظر عن طريقة الإلقاء او من وراءه لكنك تدرك لعبة مي في السخرية من طرق اتصال الدجالين او المتربحين وراء المقامات من طرؤقة اتصالهم بصاحب المقام او الولي من وجهة نظرهم.. ابتسمت لحنكتها في ذكر الطريقة وطريقة سردها بشكل ذكي.
الكتابة عن الشخصيات وكيفية مراقبة كل منهم في المواقف الحياتية المختلفة طريقة الوصول للخباية ولعبة الخلوات وكيف اظهرت الجانب الخفي لكل شخصية علي ميزان الخير والشر او الصواب والخطأ.. التركيبة الإنسانية وصياغة الالاعيب حلو الادمان او الدعارة او لحظات ضعف الانسان عند الحاجة تجعله يخرج من اطارة السليم او الفطري فيتجه للادمان او لاخرافة وكلاهما سواء في امتهان الانسان لتكريم الله له في جعله معافى وعاقل للتمييز بين ما ينفعه وما يضره لكن للزمن صروف ومواقف والحكم لمن يلاطم امواج الماء وليس لمن ينظر علي الشاطئ.
رهان رابح علي رواية جديدة ممتعة وظريفة باحداث مختلفة حتى في وصف الموت وسهولة تصدير الاهل للاولاد في حالات الجهل وكيف للخرافة ان تضع عقل الانسان في ادنى درجات الوعي حتى يضحي بمولوده لمجرد معتقد او فكرة او توجيه من اشخاص لهم سطوة الخرافة او الدجل او حظوة الاهمية من خلال ما يملكوه من اتصال بالعالم الآخر او ما وراء الطبيعة.
رغم ان الرواية صدرت قريبا إلا انني انتظر بشدة فكرة مي القادمة وما من الاشياء سيصبح - الصاوي القادم - او الراوي القادم في رواية مختلفة كما عودتنا او في كتاب جديد يفتح افق مختلف يمنحك رحلة ظريفة بين صفحاته تجعلك سعيدا عن ما بدأتها وتخرج منها مبتسم متشبع بالافكار والالغاز جيدة الصنع ذكية التركيب ممتعة للعقل.