* المميزات / نقاط القوة *
- عملية جراحية ادبية عاجلة لمجتمع مشوه ومريض يفضل الانكار على المواجهة !.
- سرد سريالي بديع.
- شخصيات مليئة بما لذ وطاب من العطب النفسي ، ابرياء ومذنبون.
- لغة كتابة دامية ترفع شعار الجلد الذاتي والمجتمعي.
- نهاية مأساوية جداً ، بديهية جداً جداً.
-----
* العيوب / نقاط الضعف / الملاحظات *
- لا تقرأ الرواية اذا كنت من هواة انكار الحقيقة والعيش في فقاعة من المثالية المتوهمة !.
---------------
مراجعة الرواية:
على طريقة الجراح الذي يقرر اجراء عملية جراحية عاجلة لمريض فشلت معه طرق العلاج بالمسكنات والمضادات الحيوية ، اعملت الكاتبة مشرطها الأدبي في قلب الخُراج المجتمعي الذي ينز منه القيح والصديد بلا توقف رغم كل الضمادات الاخلاقية والدينية التي يستخدمها المجتمع كمحاولات بائسة لانكار واقعه الملوث !.
تحلت الكاتبة بالشجاعة الكافية واعلنت المواجهة وكشف المستور والمسكوت عنه باطلاق نفير مدوي لعل وعسى يستيقظ هذا المجتمع الغافل او المتغافل ويفيق في مواجهة عوار وعَطب في غاية الخطورة لهما من الآثار النفسية والمجتمعية ما سيدفع ثمنها المجتمع غالياً من خروج اجيال بفطرة مشوهه وغير سوية على الاطلاق.
* الفكرة / الحبكة *
( زنا المحارم و التحرش الجنسي بالأطفال والمراهقين ) هما عصب هذه الرواية ثقيلة الوطء ، والتي صاغتها الكاتبة بشكل كابوسي وسوداوي جداً.
استباحة جسدية ممن تظن انهم حمايتك وحِصنك المنيع في مواجهة مجتمع اشبه بالغابة ، خَلفَت وراءها حياة كاملة من الاحساس بالدونية والاقتناع التام بانك متاح لمن يرغب فيك كيفما يريد وانت عليك الاكتفاء بالصمت حتى لا يعرف احد من الغافلين او المتغافلين عن احساسهم بالمسئولية تجاهك.
لماذا قَتل قابيل ؟. ولماذا يهلل القطيع لمن يفوز دائماً ويحمله على اكتاف المجد ولا يجد المهزوم سوى تراب الارض مأوى آمن له من مصائب الدهر ؟.
لماذا تقبل ضحية الاعتداء والتحرش بدور هابيل ؟ لما لا تجرب عكس الادوار وتقرر انها قابيل الذي سيحظى بجنته على طريقتها الخاصة. الرمزية هنا تم توظيفها بشكل مميز جداً لتدعيم فكرة الرواية والهدف منها.
* السرد / البناء الدرامي *
لوحة سردية سريالية بدأت خطوطها الرئيسية في مصر ، ووُضعت لمساتها الأخيرة في اليابان وتم عرضها على المشاهدين في جاليري الحقيقة العارية.
انقسمت الرواية الى ثلاثة أقسام كالتالي:
- موت أول:
وفيه بداية المأساة بموت البطلة معنوياً من هول ما واجهته كطفلة ومراهقة. دارت احداثه في مصر حيث الامان المفقود والاستباحة وردة الفعل بعد النضج والوعي.
- ميلاد:
هنا نحن في اليابان حيث نظن ان الشمس قد تشرق من جديد ايذاناً بميلاد فجر جديد بريء غير ملطخ بخطايا الماضي. للأسف ما فسد وانكسر لا يمكن اصلاحه. من قال ان المعاناة ستختلف اذا قررنا الرحيل بعيداً ؟. هناك ستجد غُرابك ينعق فوق رأسك وقابيلك امام عينيك يدعوك لاستكمال مسيرته. من مصر لليابان يا قلبي لا تحزن !.
- حياة أخيرة:
لا داع لاهدار الوقت في البحث عن براءة دُفنت واهيل عليها التراب منذ زمن بعيد. خلاصك الوحيد وراحتك الآبدية بين يديك فاغتنم الفرصة ولا تتردد.
* الشخصيات *
لعبت الكاتبة على وتر هام فيما يخص تقديم الشخصيات. الابرياء والمذنبون توصيفات رمادية جداً. كلاهما يتحول الى النقيض عند لحظة فارقة في حياتهم.
جميع شخصيات الرواية ضحايا ومذنبون. على اختلاف الثقافات المجتمعية بين مصر واليابان لكن ستجد ان المعاناة والمآسي لها خلفيات مشتركة لاننا جميعاً في النهاية بشر نحمل بين طياتنا شرور قابيل وبراءة هابيل.
من يطغى على الاخر هي مسألة نسبية وتتبدل الادوار بينهما علينا دائماً. هي دوامة نفسية لا فكاك منها وصراع ابدي يحمله الانسان حتى يموت.
بعد قراءة الرواية تجد نفسك تتسائل: بأي ذنب عانت المرأة المصرية الغارقة في مجتمع فوضوي ومهمش وايضاً كيف تعاني المرأة اليابانية الغارقة في مجتمع القانون والنظام ؟. من البريء ومن الجاني ؟.
اعتقد لن نجد اجابة شافية ابداً.
* اللغة / الحوار *
فيما يخص لغة السرد والحوار فنحن على موعد مع جلد ذاتي عنيف جداً.
على جانب السرد ، اللغة تضرب عورات وجروح المجتمع بأسواط حارقة مضافاً اليها المزيد من الملح كي يشعر بمأساة ومعاناة بطلة الحكاية وما تركه فيها من خراب نتيجة انكاره وعدم تحمله المسئولية بل ومشاركته الضمنية في التواطؤ ضدها ومن مثلها ممن تم اغتيال برائتهن مُبكراً.
اما الحوار فجاء على شقين. هناك الحوار مع الشخصيات المحيطة بالبطلة كالأقارب والغرباء وكانت اللغة لاذعة ومريرة ومؤلمة جداً. وهناك أخر داخلي خاضته البطلة بلغة كانت اكثر جمالاً وامتاعاً واكثر مرارة من الحنظل ، من خلال حوارها المتخيل مع ( الغراب ) الذي يمثل ما تحمله من سواد نفسي قاتم ، ومع ( قابيل ) الذي يمثل لها المثل الأعلى والخلاص لمعاناتها ومأساتها.
شخصياً صفقت للكاتبة على ما قدمته في هذا العنصر تحديداً. لا يجب ان تمر عليك هذه الحوارات ومضمونها العميق مرور الكرام عزيزي القارىء حتى تستمتع بالرواية كما يجب.
* النهاية *
استكمالاً للأجواء الكابوسية جاءت النهاية تراچيدية بشكل مبهر. يبدو ان الخلاص دائماً يأتي عندما تقرر الضحية انها اكتفت من الصمت ومن لعب دور ( قابيل ) فهو حتماً دوراً لا يناسبها حتى وان حقق لها شيئاً من الراحة ، فهو كالمسكن الذي يزول اثره بانتهاء مفعوله.
---------------
ختام:
رواية مكثفة مركزة ، شعارها الصمت المدوي الذي يخرق الآذان من شدته. تقرأها على المهل وتتذوقها بطعم المرارة الحارقة.
رواية مستَنزِفة بمآسي متوقعة !.
👏🏻👏🏻👏🏻👏�