نعرف جميعًا أن الرواية الحلوة هي التي لا تتركها حتى تنتهي منها،
ولكني أود أن أتوقف هنا عند ما وراء الكتابة،
ربما كان من حُسن حظي أن اطلعتي الصديقة دعاء على واحدة من مسودات هذه الرواية،
والحقيقة أني دهشت لما وصل ليه العمل بعد هذه المسودات، كيف تتكوّن الفكرة لدى الكاتب، وكيف يعمل على تطويرها، وغثرائها، وكيف يضيف أيضًا ويحذف، ويصقل ويشذب عددًا من المقاطع والمواقف والأفكار، حتى تنتهي الرواية إلى ما آلت إليه..
.
في النهاية استطاعت دعاء أن تقدّم عالم روايتها، على كل ما فيها من سودواية وكآبة، باحتراف ومهارة، تدخلنا إلى عالم رئيسة التمريض التي يطاردها ذلك الماضي القاسي الذي عاشته بين أم تتنكّر لها وخالٍ يتحرش بها وجدة مغلوبة على أمرها، حتى تنتقل إلى اليابان، ومن حرارة الحياة في مصر إلى البرودة الداخلية والخارجية التي تشعر بها في تلك البلاد التي تبدو وكأنها تمشي بآلية .. إلا أن الماضي لا يزال حاضرًا ومؤثرًا في حياتها ورؤيتها للناس والعالم، وثم غراب يطاردها، بكل ما يحمله الغراب من معانٍ مرتبطة بالتشاؤم والموت، بل تحوله الكاتبة إلى داع الموت، يخبرها بنهاية آجال من ستنتهي حياتهم
يحرض الموت واقتناص الأرواح، وتتحوّل رئيسة الممرضات إلى قاتلة لبعض الحالات التي تصلها وتشعر أنها بحاجة لى ذلك الموت، فتستحضر الكاتبة من التراث قصة القاتل الأول .. يحضر قابيل، ولكن بشكل آخر، وتكون تلك القاتلة حبيبته التي أرادها، وتنشأ بينهما قصة حبٍ غير عادية في خيال تلك الممرضة حتى بعد أن تركت عالمها، وتورطت في حادثة انتحار صديقتها ..
لعل واحد من أجمل ما حظيت به هذه الرواية مهارة التكثيف، فقد نقلتنا الكاتبة إلى اليابان، وعرفتنا على الكثير من خفايا عالمهم هناك، ولكن ليس من خلال معلومات سياحية وسطحية، وإنما تجربة حياتية صعبة لبطلتها المصرية التي يقودها حظها التعيس هناك لأن تقضي أيامًا وشهورًا في السجن!
.....
هذه إطلالة أولى على الرواية، التي لا شك سأعود إليها مرة أخرى
شكرًا دعاء على هذه الكتابة المتقنة الجميلة،
رغم الألم..