سايكوسينما : رحلة استكشافية في عالم الطب النفسي على شاشة السينما - الجزء الأول > مراجعات كتاب سايكوسينما : رحلة استكشافية في عالم الطب النفسي على شاشة السينما - الجزء الأول > مراجعة دينا ممدوح

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

كتاب سايكوسينما للدكتور إسماعيل إبراهيم

دار النشر: المحرر

عدد الصفحات: 486 صفحة

سنة النشر: 2025

انتظرت هذا الكتاب حينما أغلقت الصفحات الأخيرة من كتاب نيوروسينما، وهو الكتاب السابق لدكتور إسماعيل إبراهيم، الذي جعلني أتأكد أن كل ما سيكتبه تاليًا لن تفوتني منه كلمة واحدة، لذا حينما أصبح هذا الكتاب بين يدي تنفست جيدًا وعلمت أنني أمام كتاب سيسرقني من كل ما ومن حولي ليأخذني إلى عالم السينما ومعه عالمي المفضل وهو عالم الأمراض النفسية وتأثيرها وتشخيصها.. وقد كان.

كيف يمكن أن يجمع كاتب ما بين مجالين واحد منهم شديد الصعوبة والحساسية، والأخر شديد الحماسة والجاذبية؟!، كيف يمكن المزج بين الأفلام والأمراض النفسية بتاريخ مفصل دون أن يشعر القارئ بالملل؟ هذا السؤال الأهم الذي سيدور في عقل كل قارئ، ومتأكدة أنه كان يدور في ذهن دكتور إسماعيل نفسه قبل البدء في كتابة كتابه الأول نيوروسينما، ولكنني وجدت الإجابة حينما قرأته، فعلمت أن الله وهب الطبيب ملكة الحكي بنفس جودة ملكة التشخيص وتصنيف الأمراض التي هي مجاله الأساسي، وهي نقطة الجذب الأولى والأهم في كتاب من هذا النوع وبهذه الضخامة والثقل والدسامة، وبالتأكيد هي نقطة نجاحه بجانب مضمونة المختلف.

يتناول الكتاب عدد من الاضطرابات النفسية وكيفية القاء الضوء عليها في الأفلام الغربية، ولكن لم يقتصر الأمر على ذلك حيث أنقسم الكتاب إلى الحديث عن عدة جوانب أخرى في بداية الكتاب وكأن الكاتب يمنحك خلفية مسبقة لما سيتناوله في الفصول التالية.

أخذنا الكاتب من ايدينا لنخطو خطواتنا الأولى في هذا العالم، فيعرفك بكل سلاسة عن لماذا كُتب سايكوسينما من الأصل، وما علاقة الفن بالأمراض النفسية وكيفية تناولها ومدى أهمية ذلك.

في الفصل التالي تبدأ خطواتنا في الاتساع أكثر ليبدأ الطبيب في تتبع تاريخ الأمراض النفسية ما بين عصور ما قبل التاريخ والعصور القديمة وحضارات آسيا الشرقية والعصر اليوناني والروماني وحتى القرون الوسطى والمحار.ق التي حدثت باسم السحر ولكنها في الحقيقة معظمها كان مرتبط بالأمراض النفسية، حتى وصولنا إلى العصر الذهبي للإسلام الذي سلط الكاتب فيه الضوء على مدى تطور العلم والعلماء حينها وكيف أمكنهم اكتشاف ومعالجة هذه الاضطرابات في ذلك العصر، وكانت النبتة فيما بعد للكثير من الاكتشافات في هذا المجال، وصولًا إلى عصر النهضة والعصر الحديث، مرورًا ببعض الاكتشافات في مجال علاج هذه الاضطرابات وكيفية التعامل معها وبعض الحالات التي كانت سبب في التعرف على العقل أكثر؛ مثل حادثة (الرجل الذي لم يعد كذلك).

"لا أبالغ حين أقول إن الدور الأكبر في تشكيل الثقافة الشعبية و(الوعي الجمعي) فيما يتعلق بالاضطرابات النفسية يرجع إلى السينما، بما لها من تأثير عظيم وعميق على العقول والوجدان. فالسينما فن سمعي وبصري قادر على أن يصل إلى جميع المستويات الثقافية والاجتماعية."

هل وقعت في الفخ؟ تبحث عن المزيد والمزيد وكأن الجرعة السابقة من كل تلك المعلومات لم تكفيك؟ حسنًا لقد فعلها دكتور إسماعيل وجعلنا نتشوق إلى المزيد من كل هذا الزخم من المعلومات عن هذا العالم الغامض وكأنك أدمنت المعرفة وتبحث عن جرعة جديدة، في الجرعة التالية للتفاصيل التاريخية يمنحنا الخيط الثاني، وهو نظرة من أعلى على بعض الأفلام التي تناولت الأمراض النفسية بشكل عام، وفي هذا الجزء تناول الحديث عن فيلم اعتبره من الأفلام الأيقونة بالنسبة لي وهو فيلم (سايكو) الذي على الرغم من قسوته يحمل لي ذكرى جميلة وأعيد مشاهدته كل فترة، واعتبره من الأفلام السابقة لعصرها بالنسبة لي، هذا بجانب الكثير من الأفلام التي كنت أسمع عنها لأول مرة من خلال الكتاب وبالتأكيد سأضعها في خطتي للمشاهدة.

"بدا وكأن السينما قد أخذت في اختراع (طب نفسي) جديد خاص بها، له سماته الخاصة وتشخيصاته الشائعة وطرق علاجه الفريدة، والتي كثيرًا ما كانت تعكس رؤية خيالية أو درامية للاضطرابات النفسية، بعيدة تمامًا عن أرض الواقع"

هل أصبحت جاهزٍ الآن؟ إذن، سكوت.. هنصور، لقد أصبح الأمر جديًا، أغلق الأنوار وهيا بنا ندخل الآن إلى عالم السينما الكبير والمغري في الوقت نفسه، ستضع يديك على أهم الأفلام التي تناولت عدد من الاضطرابات التي قرر الكاتب أن يسلط عليها الضوء في هذا الجزء وهي ( الفصام أو الشيزفرينيا- الاضطراب الاكتئابي الكبير- الانتحار- اضطراب ثنائي القطب- اضطراب الوسواس القهري- اضطراب ما بعد الصدمة- اضطراب طيف التوحد) وتجد كل هذه الاضطرابات يتم طرحها بشكل متضافر مع أحداث الأفلام التي تناولتها، فيأخذك الكاتب في البداية بالتعريف عن الفيلم حتى نقطة بعينها والتي ترتبط بظهور الاضطراب، وبعدها تبدأ رحلتنا مع تفاصيل هذا الاضطراب نفسه بداية من اكتشافه وكيفية التعامل معه على مر التاريخ والعلاجات التي تم تنفيذها على المرضى، وحتى النتيجة في عصرنا الحالي، ثم نعود لنستكمل أحداث الفيلم وهكذا في جميع الأفلام والاضطرابات الأخرى، فتشعر وكأنها مباراة قوية ما بين الفن والعلم لا تستطيع أن تلتقط فيها أنفاسك من روعتها ودقتها ومهاراتها فإن الموازنة هنا كانت جزء ضروري لترابط النص ما بين كل جزء منهما، كل هذا بالتأكيد تُزينه اللغة الرصينة والتناول الجيد غير الممل الذي تمثل في أسلوب سرد وشرح الكاتب.

"صدقت مقولة (فرويد) عند سُئل عن سر الراحة النفسية فأجاب بثلاث كلمات فقط، والتي تعني:الحب (كي لا يكون المرء وحيدًا) والعمل (كي لا يكون المرء عبئًا) "

بالتأكيد لن يمكننا الحديث عن الأضطرابات النفسية والسينما دون الحديث عن (سيجموند فرويد)، الذي أحيلت له الكثير من الأفكار والأراء في هذا المجال، واستخدمت أفكاره في الأفلام والسيناريوهات بل وبتجسيده هو شخصيًا على شاشة السينما، فمنحه الكاتب فصل كامل في نهاية الكتاب.

إذا كنت ستبدأ في الإمساك بالورقة والقلم لكتابة اسماء الأفلام أو الأدوية فلا تحمل عناء هذا، فالكاتب خصص جزء في نهاية الكتاب ترك فيه جميع اسماء الأفلام والاضطرابات والأدوية والبدائل وبعض التحذيرات التي على صناع السينما اتباعها إذا ما أرادو الحديث عن الأمراض النفسية مرة أخرى، والأهم أنه ترك الكثير من المراجع لمن يريد الاستزادة، وبهذا لم يترك الكاتب أي ثغرة لا يستفاد منها القارئ بل والأهم أن يستمتع مع الاستفادة، وهي معادلة صعبة ولكنها متحققة هنا.

كما أوضحت يملك دكتور إسماعيل إبراهيم ملكة الحكي التي تخول له أن يحدثنا عن أصعب الموضوعات وأثقلها بكل سلاسة وتلقائية بل ويمنحنا في أجزاء منها حسه الفكاهي الذي كان يخفف كثيرًا من عبء كل هذا الثقل الذي نقرأه، الثقل كان في المعلومات وتفاصيلها وحساسية الموضوع نفسه الذي أنصح من يعاني من توتر أو قلق عند قراءة الكتاب أن يتوقف ويلتقط أنفاسه، لذا كان اختيار موفق للغاية أن يكون هذا الكتاب من الكتب التي تقرأ على مهل ويحتاج إلى شهر لأخذه كصديق يومي التقط من نبتته المثمرة كل يوم جزء من المعرفة.

في النهاية أن الجهد المبذول والواضح في هذا الكتاب ينم عن شقين؛ الأول هو شغف الطبيب بعالم السينما، والثاني هو شغفه بعالمه الطبي نفسه، واستطاع في النهاية أن يجمع بين عالمين بعيدين تمام البُعد ولكنهم أقرب مما نتخيل، تَمكن بشكل واضح أن يجعلنا نحن أيضًا نعيش معه الشغفين بكل سلاسة على الرغم من صعوبة ما يطرحه، ولكن مع الصفحات الأخيرة للكتاب، علمت أنه نجح؛ لذا سأنتظر الجزء الثاني من سايكوسينما، والذي أتمنى ألا يتأخر كثيرًا.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق