سايكوسينما
رحلة استكشافية في عالم الطب النفسي على شاشة السينما الجزء الأول
Ismail Ibrahim
المحرر للنشر والتوزيع
486 صفحة
سنة 2025
في زمن أصبح فيه الحديث عن النفس مرهقًا للبعض، والطب النفسي لا يزال حبيس الوصمة في أذهان كثيرين، يأتي هذا الكتاب ليكون كجسر جميل بين عالم العلم الجاف وعالم الفن الحيّ، فيُعيد إلينا إنسانيتنا المفقودة بلغة لا ترهق القارئ، ولا تُسطّح الفكرة.
الكاتب لا يكتفي بالجمع بين الطب والفن، بل يغوص بنا إلى عمق التاريخ الإنساني لنفهم كيف تشكّلت تصورات البشر عن النفس والاضطراب النفسي، وكيف قادهم الجهل في بعض الأحيان إلى الجنون أكثر من المرضى أنفسهم.
الكتاب مقسم ببراعة إلى شقين؛ الأول يمهّد الطريق لفهم ماهية الاضطرابات النفسية، بداياتها، وكيف تطوّر فهمها من خرافات وأساطير منذ أكثر من 6500 عام إلى علم له أسس وأدوات تشخيص وعلاج وهو ما حدث فى البيمارستانات تحت تطور الطب الإسلامي ولحق بذلك التطور تطور اخر فى القرن العشرين، والثاني يتناول العلاقة بين هذه الاضطرابات والفن، وتحديدًا السينما.
هذا المزج كان ذكيًا وممتعًا، لأن القارئ لا يشعر أنه أمام كتاب أكاديمي، بل أمام عمل توثيقي وإنساني يعكس الواقع من خلال عيون الشخصيات التي أحببناها على الشاشة.
اكثر الجمل التي ستأسرك في الكتاب هي تلك الاقتباسات التى يستهل بها الكاتب مقدمة اجزاء العمل التى قسمها لتسهيل القراءة، وهي عبارة تظن انها قد تمر عليك مرور الكرام في البداية، حتى يعيدها الكاتب إلى الحياة بشرحه المبسط، فكم مرة شاهدنا مشهداً في فيلم وقلنا: "هذا أنا!"، وكم مرة عبّر شاعرٌ بكلمات قليلة عن شعور عجزنا عن وصفه؟ هكذا تبدأ الرحلة.
يتناول الكاتب مفاهيم أساسية يُفترض أن تُدرَّس في المدارس مثل أن ما نُسميه "مرضاً نفسياً" هو في الواقع "اضطراب نفسي"، وأن مصطلح "الجنون" لا وجود له في القواميس الطبية، بل هو وصف اجتماعي أكثر منه علمي. الأجمل أنه يذكر تلك الحقائق دون تعالٍ او تباهى بعلمه، بل بحس إنساني قريب من القارئ.
الفصل الخاص بتاريخ الطب النفسي كان ثريًا وممتعًا لأقصى حد، إذ يأخذنا من كهوف ما قبل التاريخ إلى حكايات السحر والشياطين، مرورًا بمصر القديمة والهند والصين واليونان، ثم العصر الإسلامي الذي أنصف المرضى النفسيين قبل أن يعود الظلام مجددًا في أوروبا عبر محاكم التفتيش وسفن الحمقى. كل محطة تحمل مزيجًا من الغرابة والأسى، لكنها مفيدة لفهم كم أن الإنسانية عانت حتى تفهم نفسها، وكم انها تمردت على هذا الفهم خوفا من كل ماهو مجهول او عدم وعى وتكبر تجاه العلم والتعلم.
أما الجزء المتعلق بالسينما، فهو متعة خالصة. الكاتب لا يستعرض فقط الأفلام التي تناولت الاضطرابات النفسية، بل يُحلل كيف قدّمت كل فيلم مرضًا معينًا، وهل كانت دقيقة أم لا، وما الفروق بين الصورة السينمائية والواقع الطبي. ومن هنا جاءت عبقريته: فبدلاً من الشرح العلمي المجرد، ربط كل اضطراب بفيلم معروف، مما يجعل المعلومة أسهل وأقرب وأعمق تأثيرًا، وكان مرعباً بالنسبة لى معرفت كم ماحوت افلام الكرتون من اضطرابات نفسية جعلتنى اعيد النظر فى كل ما شاهدت قبل قراءة العمل.
التناول الذكي للفصام، الاكتئاب، التوحد، الوسواس القهري، ثنائي القطب، وغيرها من الاضطرابات، يجعلك تعيد النظر في كثير من أحكامك.
المؤلم أن بعض طرق العلاج قديمًا كانت وحشية بشكل يصعب تصديقه، من التعقيم القسري إلى عمليات فصل الفص الجبهي، بل وأوامر بالقتل كما حدث في زمن هتلر وغيره، في مفارقة قاسية بين الطب كمنقذ والطب كأداة قمع.
من أكثر فصول الكتاب إثارة هو الفصل الخاص بفرويد، الأب الروحي للتحليل النفسي، حيث يعرض الكاتب حياة الرجل، جدله، إنجازاته، وتحفظاته، كما يعرض كيف ساهمت السينما في شهرته، رغم أنه لم يكن مولعًا بها. التشبيه بعقدة الأب بين فرويد والسينما كان لمسة ذكية تحمل عمقًا وسخرية لطيفة.
اللغة في الكتاب هي مزيج نادر من الفصحى المبسطة والسرد الخفيف، فيه سخرية محببة، ولمحات إنسانية عميقة.
لن يشعر القارئ بالملل رغم كثافة المعلومات. التمهيد لكل فصل كان محبوكًا بأسلوب روائي أحيانًا، خصوصًا حين يبدأ بمشهد لفيلم يعكس معاناة بطل من اضطراب معين، فتشعر أنك تتابع مشهدًا سينمائيًا لا تقرأه.
الكتاب ليس فقط ممتعًا ومفيدًا، بل هو ضرورة لكل من يريد أن يفهم الإنسان، أو أن يُعيد النظر في الصور النمطية التي نحملها عن الطب النفسي.
هو كتاب عن الوعي، عن الألم الإنساني، عن الصور التي عشناها في صمت ولم نجد لها اسمًا، حتى جاء هذا العمل وقال لنا: "أنا أفهمك، أنا أشعر بك، أنا أسمعك جيدآ".
وبكل يقين يمكنني القول إن هذا العمل أكثر من مجرد كتاب. إنه مرآة للفن، للطب، وللإنسانية والتاريخ ، ووسيلة لفهم الذات من خلال الآخرين. وبحق، إنه من تلك الكتب التي تُغلقها وفيك شيء قد تغيّر… للأفضل.
منتظرة بشدة الجزء الثانى بالتوفيق الدائم يادكتور.
#مسابقة_ريفيوهات_سايكوسينما
#سايكوسينما_رحلة_استكشافية_في_عالم_الطب_النفسي_على_شاشة_السينما_الجزء_الأول
#المحرر_للنشر_والتوزيع