" هل شعرت يوما بأن الكون كله بات عدوك؟
شعرت بأنني أصبحت عدو نفسي، وعداوة النفس أشدُّ ضراوة من عداوة الكون "..
أتذكر قول العزيز ميشا (ميخائيل نعيمة) في كتابه الرائع «يا ابن آدم» وأسقطه على أحلام وكلام السيدة عفاف محفوظ هنا،لولو كما اعتادت أن ينادى عليها والآتية من زمن الرئيس جمال عبد الناصر ومن عائلة ميسورة الحال مالكة لأراضي ومزارع عديدة،وأخبرها أنها أصبحت عدوة لنفسها حينما صارت تبحث عن حرية داخل حرية لم تظفر بها كثير من الفتيات في ذاك العصر،الحرية التي لم تفهمها هي بحد ذاتها والرفاهية التي لم ترها لإنها كانت أقرب بكثير من أنفها.
ما هي الحرية؟ وكيف نستطيع تقييم مداها تحت ظل العائلة والمجتمع والنفس؟ هل نحن أحرار منَّا يا ترى؟! وماذا نريده منها؟ التملص من مسؤولياتنا وواجباتنا أو التّنكر لقيمنا ومبادئنا وعقائدنا؟!وبأي صفة وصيغة نحاول أن نرى ذواتنا من خلالها؟
أظن أن هذه بعضا من الأسئلة المبهمة التي يود الواحد منا أن يطرحها ويجاري السيدة لولو فيها،لم؟!،لأن هذا ما فعلته بالضبط مع حريتها،سئمت من تحكم أمها بها ولم يكن بتحكم ..بل كانت أمومة ممارسة وتمنت التحليق إلى خارج البلاد(مصر) ولم يكن تمنيا بل هروبا من دورها كإبنة وكفرد من مجتمعها،وتزوجت ليس حبا بل استغلالا ومصلحة لتحقيق أمنيتها،وانخرطت في عالم ليس بعالمها وعاشرت عقليات بعيدة عن عقليتها البلدية وقرأت كل ما كان محظورا عليها حتى تلاشت وتناثرت ثم تكونت من جديد ..عفاف محفوظ السيدة الجديدة التي خلعت الحجاب ولا تنكر وجود الله لكنها تنكر ما عداه من كافة البشر وساوتهم جميعا بالرسل والمشايخ والعلماء،اعتقادا منها بأنها لم تكن سوى محاولات بشرية ووسائل لمحاولة فهم المُغيَّب في الحقائق والغير منطقي والمجهول في الواقع والأقدار.
لم يكن هذا التحول بحرية وإن كان كذلك لما عانت لسنوات كثيرة من الإكتئاب الذي دفعها دفعا لدراسة التحليل النفسي،ماذا فعلت لها الحرية ..مزيدا من الحزن وعدم فهم الذات والحرمان من لذة التمتع بأشياء بسيطة ومن بهجة انجازاتها و كل ما وصلت إليه في جوانبها الأكاديمية والثقافية،وكثيرا من الخوف الذي رأته الحجر الذي منعها من الإنعتاق في بداياتها ..هو نفسه ذاك الخوف الذي لم يفارقها في رحلتها وجميع محطاتها وان ظنت أنها تركته خلفها،للخوف أيضا عدة أوجه!
أحب السير الذاتية ..وأجد نفسي فيها وأتمازج معها من خلال تعرية الآخرين عن أحوالهم وحيواتهم ومكامنهم،وقد شبهت سيرة عفاف محفوظ كثيرا بسيرة ثريا التركي "حياتي كما عشتها" من حيث المضمون والرؤية للدنيا لكنها جاءت هنا وكتبت بقلم عذب،قلم خالد منصور الذي استطاع أن يوصل كل أحاسيس السيدة ويلامسها وكأنه صار هي وصارت هو،سيرة ذاتية دافئة وجميلة وإن كان لي بعض من المآخذ فيها لكن جماليتها على الأكيد تبقى طافحة وجلية ..إنها مشاركة حميمة لحياة شخص شجاع وفريد يستحق الإحترام رغم الإختلاف.
وسأنهي كلامي بعبارة أعجبتني للسيدة عفاف محفوظ أديرها وأسألها من خلالها..«هل كنت حقا جديرة بتحمل مسؤولية حريتك..؟!»
❞ صرت مؤمنة أن الهدف الأهم لأي إنسان هو أن يمتلك ويمارس القدرة على الاختيار، تلك القدرة التي يخشى بشر كثيرون منها، بل ويفضلون العجز أو المرض النفسي عوضًا عن مشقة تحمل مسؤوليتها، مسؤولية هذه الحرية الثقيلة. رحلتي من الخوف من هذه المسؤولية إلى قبولها، بل والإصرار على حملها كانت هي رحلتي من الخوف إلى الحرية. ❝