الكتاب الحادي والعشرون من العام 2025
اللص والكلاب
نجيب محفوظ
""هل يمكن أن أمضي في الحياة بلا ماضي؟ لو استطعت لكنت أخف وزناً وأضمن للراحة، ولكن هيهات ان يطيب العيش الا بتصفية الحساب، لن أنسى الماضي لسبب بسيط هو انه حاضر - لا ماضي في نفسي""
· سنة واحدة بين نشر الرواية التي كتبها نجيب محفوظ وعنوانها"" اللص والكلاب" عام 1961 وقيام المخرج المصري كمال الشيخ بإخراج الرواية كفلم عام 1962 من بطولة شكري سرحان الذي قام بدور البطل سعيد مهران، وكمال الشناوي الذي اتقن دور الشر بدور رؤوف علوان، وشادية التي قامت بدور الحب، فهو جمع بين الحب والثروة والفقر الصراع الطبقي بكافة اشكاله، فهو صراع مجتمعي بين لص ومجموعة كلاب وكل شخص سارق.
· العنوان صادم اللص والكلاب: يتألف عنوان النص تركيبيا من لفظتين هما 'اللص' و'الكلاب' بينهما حرف عطف الواو، الذي يؤكد وجود علاقة بينهما أما دلاليا فتوحي لفظة اللص إلى ذلك الشخص الخارج عن القانون والمستولي على ممتلكات الغير، والذي جرمته كل الديانات السماوية وأصدرت ضده عقوبات متفاوتة، والذي يرمز خلافا للكلاب للخيانة والغدر، بينما الكلاب ترمز للإخلاص والأمانة والوفاء لدرجة ربط الوفاء بهذا الحيوان الأليف فهل يعكس لص الرواية وكلاب الرواية هذه الدلالات؟ ويكا
· إذا ما نحن حاولنا ربط العنوان بأحداث الرواية نعرف أن اللص هو الشريف بالرغم من أسلوبه المنافي للأخلاق سعيد مهران، بصفات الوفاء والإخلاص لأنه أخلص لمبادئ الثورة، أما الكلاب فهي إشارة إلى كلاب إنسانية، مجسدة في شخص كل من نبوية، وعليش، ورؤوف علوان، لكن بصفات الغدر والخيانة، لأن كل هذه الشخصيات قد مارست الغدر والخيانة في وجه سعيد مهران، الشيء الذي جعل أحداث الرواية تميل إلى التراجيديا أو إلى دراما الروايات البوليسية
· التفكير العبثي هو الرمز والفكرة الأساسية فنحن هنا امام شخص لم يعد يرى أي شيء امامه وامتلئ عقله –عبثًا- بالتفكير العنيف ولديه رغبة دائمة في الانتقام من الغير، فتدفعه تلك الأفكار لارتكاب جرائم وفظائع، بينما هو كذلك إذ يبرر لنفسه دائمًا أفعالهم وأنه دائمًا يوجد من دفعه لهذه الأفعال الشنيعة.
· إذا هي قصة الخيانة بكافة تفاصيلها فالكل هنا خان الكل والكل حاول القضاء على الكل والجميع لصوص فنبوية خانت سعيد، وعليس كان البطل حيث تزوج زوجته، وسعيد خان مبادئه، ورؤوف خان كل شيء وأصبح اللص الشريف والشيخ يمثل الايمان الضعيف كرمز من تصارع الخير والشر ونور اعطتنا حبا مهزوزا حبا كتب له الفشل فخانت سعيد بالهروب.
· باب السجن فتح وخرج سعيد المثقف المحب للكتب لكن هل خرج من سجن الحكومة ليدخل سجن الانتقام؟ دخل سعيد السجن بعد خيانة من زوجته التي بلغت عنه اثناء قيامه بالسرقة فهو سارق مثقف لكنه يصدم بالواقع المرير إذ لم يجد أحدًا في انتظاره ولا يأبه أحد له أصلًا. مع اكتشافه أن زوجته "نبوية" خانته وتزوجت من مساعده "عليس" وكانا قد سرقاه أيضًا، وابنته خافت منه ورفضته
· الشيخ سعيد جنيدي هو عنصر الخير الوحيد في الرواية الخير البعيد عن كل شوائب الدنس والفجور الشيخ الذي كان سعيد يجله ويوقره مذ كان صغيرًا حيث كان يلتقي به في صحبة والده المتوفى. دخل على الشيخ وتذكره الشيخ وسرد له "سعيد" ما حدث له فنصحه الشيخ بالعودة إلى الله لأنه ما زال في سجن أعظم من سجن البوليس، فقلبه مفعم بالكراهية ولديه رغبة قوية في الانتقام. نصحه بالوضوء والصلاة وقراءة القرآن. لكنه رفض نصائح الشيخ.
· رؤوف علوان اللص الثاني وربما هو اللص الأساسي حيث كان مثله الأعلى إذ كان "سعيد" يعمل ببيت الطلبة حيث كان يقطن "رؤوف" وهو طالب بالكلية. "رؤوف" هو من شجع "سعيدًا" على القراءة والكتابة وكذلك قد بث في عقله أفكارًا سوداوية ونفث في نفسه أحقادًا عن الأغنياء وذوي المناصب، بل شجعه على أن يقتطع منهم ما شاء من مال وأن ذلك وإن بدا كسرقة لكنه يحمل في طياته رأفة بهؤلاء المغفلين –يقصد الأغنياء المترفين.
· يعثر سعيد على عنوان بيت رؤوف الذي بدا غير سابق عهده إذ أصبح من الصفوة –هؤلاء من كان يحقد عليهم في الماضي- وبالفعل يلقاه "سعيد" ويدخل بيته ويحسن "رؤوف" إليه القول ويعطيه بعض النقود وأشار عليه أن يشرع في البحث عن عمل شريف يقتات منه، لم يتوقع "سعيد" ما لاقاه من صديق الماضي مثله الأعلى فقد عامله كمتسول لا يرقى لأن يحادثه أو يوظفه في الجريدة. فيقسم "سعيد" أن يقتص منه ويكون أول من يسرقه، ويفعل ولكن يكتشفه "رؤوف" فقد توقع فعلته، ويهدده بأنه إذا رآه مرة أخرى سيسلمه للشرطة ويأخذ منه النقود التي قد أعطاه إياها في الصب
· يشتد الغضب في سعيد ويعزم على قتل كل من: نبوية وعليش" ورؤوف ولكنه كلما هم بتنفيذ ما عزم عليه اقتاده القدر لقتل شخص بريء ليبدأ في جلد ذاته واجتمع عليه عذاب الضمير والرغبة في الانتقام معً حتى يلتقي بالغانية "نور" تلك المرأة التي رفقت به وعطفت عليه وهدأت من روعه قليلًا لكنه ما زال ماضيًا فيما عقد على تنفيذه، أخطأ "نبوية" وعليس" لكنه حتمًا سيصيب "رؤوف علوان" إلا أنه قد خاب مسعاه مرة أخرى ليقتل حارس قصر "رؤوف" الذي لا ذنب له
· يهرب سعيد ويعود إلى نور ليختبئ من الشرطة ثم يتفاجأ أن الصحف قد جعلت منه سفاحًا وأن "رؤوفًا" هو من شن ضده الحملة. يذهب سعيد للشيخ مرة أخرى محاولًا تخفيف آلام نفسه وضميره الذي يجلده دومًا لقتل أبرياء دون ذنب. ثم يهرب ويهرب حتى يجده البوليس ويحاول الفرار منهم ولكنه لم يتمكن من ذلك فيصيبه رصاص البوليس ليرديه قتيلًا.
· من خلال هذه المضامين يتبين أن القوى الفاعلة هي صانعة الحدث، وأول هذه القوى الشخصيات والبداية كانت مع سعيد مهران بطل الرواية، ضحية مؤامرة الغدر والخيانة خرج من السجن ليثأر من الكلاب، بدأ في تنفيذ ما عزم عليه من انتقام وثأر، محتميا مع كل واقعة بنور حتى تهدأ العاصفة ويسترجع أنفاسه ويتحرك من جديد مع جريمة ثانية، إلا أن الفشل كان يلاحقه في كل مرة، فيفقد التركيز والقدرة على التحرك بحرية مما عجل بنهايته.
· ويعتبر عليش صبي سعيد بطل المؤامرة، أوقع بسعيد في السجن ليظفر بالمال ونبوية الزوجة الخائنة التي تواطأت مع عليس للتخلص من سعيد. أما رءوف، صديق سعيد الذي زرع فيه مبادئ التمرد على المجتمع والطبقية وتنكر لها ولصديقه، تحول إلى عامل معاكس، حرض الرأي العام وشدد الخناق على سعيد بمقالاته الصحفية المبالغة في تضخيم الحدث، ويصبح عامل موضوع عندما أصبح مستهدفا في عملية الانتقام ليزداد قوة كعامل معاكس أحبط خطة سعيد وأزم وضعيته.
.