الجمعية السرية للمواطنين > مراجعات رواية الجمعية السرية للمواطنين > مراجعة Mohammed Makram

الجمعية السرية للمواطنين - أشرف العشماوي
تحميل الكتاب

الجمعية السرية للمواطنين

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

التزام الصمت يبقيك عند حدود آمنة. والتظاهر بالغباء ينجيك من مهالك الفهم ومتاعب التفكير.لكن كل شيء له عمر افتراضي. حتى القهر.

رواية عبقرية من أشرف العشماوي عن الفنان المواطن و الإنسان ابن عزبة الوالده و حلمه بتغيير العالم ولو في خياله

طوال حياته كان كلامه أكثر من أفعاله. مفرطا في رومانسيته. يحلم باقتسام قرص الشمس مع جيرانه كل صباح. وعند المساء يتبادل معهم عشق القمر. لكنه لم يحصد سوى فشل تلو الآخر. سلسلة طويلة من اخفاقات متتالية متشابكة. شكلت طوقا غليظا التف حول رقبته. لديه الكثير من الكلام لكنه لم يعد يريد أن يخبر به أحدا. تخبطت خطواته و تبدلت أوراق اللعبة مرات كثيرة. ثقلت قدماه فلم تدفعاه إلى الأمام. اختزلت آماله كلها في المقاومة ليبقى واقفا مكانه و لا يسقط على ظهره مرة ثانية. على الأقل ليرى من يدفعه للخلف ولو لمرة واحدة. حتى لو كان الدافع هو عقله.

ولأن الفنان كتلة من الإحساس و لأن بلدنا انعدم فيها الإحساس رويدا رويدا فلا مكان فيها للعتق و المعاتيق

صارت أيام معتوق متشابهات. لم يعد يسأل بعد شهر واحد عن اليوم. أهو ثلاثاء أم أربعاء. المهم أن ينقضي ليضع علامه صغيرة ليضع علامه صغيرة بجوار سريره معناها اقتراب مولده من جديد. لا يزال متشبثا بأمل أن تظهر الحقيقة. و رغم أن شاهين جف ريقه و هو يحاول اقناعه بأن الحقيقة هي ما نقوله. ما نصنعه. ما يراه الأخرون. لكنه رفض. واختار انتظار موعد مجهول يحدده القدر وحده لإعلانها.

لوحات متتالية يرسمها العشماوي برقة و جمال و ابداع و بساطة و انسيابية وكأنك تراها رأي العين بلا تكلف و لا تصنع و لا اجهاد و لا اجتهاد.

الابتسامه ذاتها تتسيد محياها وهي تحكي عن الخديوي اسماعيل.لكنها توقفت عند الوالدة باشا. هوشيار هانم و حديقتها الشاسعة. رئة القاهرة التي كانت هنا. ثم اختفى صوت راويه فجأة من أذنيه فلم تكمل بقية الحكاية مع أنها ما زالت تحرك شفتيها. ووجد نفسه يعود بالزمن و يتقدم خطوات وكلما تقدم تأخر ما حوله. رأى الخديوي توفيق يهمل العزبة ويحرمها من الخدمات. ثم تغير اسمها إلى عزبة السلطان لما تولى السلطان حسين كامل عرش مصر لكنها ظلت مهملة. ثم جاء الخديوي عباس الثاني فسمح للمصريين ببناء بيوت طينية فيها ليخدمو في أرضه لا لشيء أخر. و لما تولى الملك فؤاد الأول عرش مصر أزالها وتحولت العزبة لمنتزه عام للأمراء والوجهاء. ونقل المواطنون قرب الصحراء. ثم جاء فاروق وهدم جزءا كبيرا من القصر. و حول حديقته ملاعب لممارسة رياضة التنس نكاية في الانجليز عندما أرادوا استخدامه كمستشفى وقت حربهم مع الألمان. ثم ظهر فجأة عبدالناصر و الأحرار. فصارت الحدائق مصانع والرياحين أبخرة والأشجار مداخن. والمواطنون ما زالوا يهللون مثلما كانوا في كل عصر.

و عزبة الوالدة هو اسم على مسمى لكل مصر كما نتندر بإسم آخر لمنطقة أخرى و هي أرض اللواء فكلتاهما نالها القدر نفسه من الرقي ثم الانحطاط و كذلك أمهما مصر

ينحني معتوق في نهاية كلامه بحركة مسرحية. ولا يسمح لفارس بالرد. يقدم له خلاصة تجربة تجاوزت الستين عاما في حياة بائسة. مؤكدا أن الجميع فيها كومبارس. مجاميع يحركهم ويوجههم المخرج أو مساعدوه من بعيد حسبما يريد. حتى النجوم هم صناعة المخرج أيضا. واكتشافه.

و المخرج في مصر معروف و تم وصفه تفصيليا من مخرج أخر قبل أن يفقد عقله بدقائق هو نجيب سرور في رائعته الممنوعة من النشر و الأكثر انتشارا: الأميات.

قررت المحكمة تأجيل القضية لجلسة الخميس حداشر فبراير للنطق بالحكم. رفعت الجلسة.

التاريخ هو نفسه يوم خلع مبارك من سلطته التي تشبث بها ثلاثة عقود و كأنها رسالة مبطنة من العشماوي الذي أنهى روايته أثناء أحداث محمد محمود الأولى وهو نفس يوم كتابة الأبنودي لقصيدة: ضحكة المساجين.

سألوه بعدها: هل سنموت؟ أجابهم بسؤال آخر: وهل كنا نعيش؟ ثم استبق تفكيرهم بسؤال ثان: وإذا عشنا هل تظنون أن تلك كانت الحياة؟

اللوحات لا تموت. و إذا تم تزييفها فستنتشر أكثر و مهما تقادم بها العمر فإن بريقها يزداد و ستظل الميادين تزدان بالأفكار و الثورة و الثوار فالحلم مهما كان اليوم خيالا غدا سيصبح حقيقة.

وبعد سنوات طويلة من موت الخديوي اسماعيل ربما يظهر مؤرخ أمين مدقق فينصفه. ويخبره بأن الانجليز ورطوه في الديون. وأن نواياه كانت طيبة لنهضة بلاده ومواطنيه. لكنهم أغروه ومهدوا له طريقا ملغما سار فيه مطمئنا. ومن غفلته ظن أن أصوات انفجار الألغام التي عبر عليها غيره وراءه وماتوا منها تطلق من قوات المدفعية التابعة له مرحبة به و مؤيدة لقراراته.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق