سنوات الجري في المكان > مراجعات رواية سنوات الجري في المكان > مراجعة دينا ممدوح

سنوات الجري في المكان - نورا ناجي
تحميل الكتاب

سنوات الجري في المكان

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

*الرواية التي وضعتها على قائمة القراءة منذ صدورها، في كل مرة كنت ابدأ في صفحاتها الأولى وأتوقف، ولا أعلم السبب، ولكن بعد ذلك عرفت.

*شاهدت لقاء لنورا ناجي تتحدث عن الرواية كانت تتحدث بقلبها وروحها وجسدها، فكانت يديها تتحرك وهي تحكي عن سعد ونانا ومصطفى وياسمين وكأنها تمد يديها لتخرج الكلمات من قلبها وتقذفها في قلبي، بعد ذلك بيومين –ودون أي سبب واضح- فكرت في تصوير غلاف الرواية، حتى الأسبوع الماضي عندما فتحت الرواية مرة أخرى وقررت البدء فيها، ومع صفحاتها الأولى عرفت أن القدر كان يرسم بالضبط كل الأماكن التي سأقرأ فيها صفحاتها، ومواقفها التي كانت صدفة تأكل قلبي بشكل غير مفهوم، وعرفت سبب تأخري في قراءة هذه الرواية حتى الآن، لأن هذا كان وقتها بالتحديد، أحب الروايات التي تصنع معي تاريخ قبل أن ابدأ فيها وأعرف إنها ستكون قريبة لقلبي وهو ما حدث مع سنوات الجري.

*نورا ناجي لا تكتب رواياتها، نورا ناجي تعيش رواياتها؛ لتجعلني أن الأخرى أعيش فيها بكل مشاعري وحواسي، لم تتحدث فقط عن حواس الأبطال وما فقدوه، ولكنني كنت أنا الأخرى أفقد شيء معهم في كل صفحة أكثر من دموعي وحدها، طوال مشاهد الرواية وأنا أحدث نفسي، بالتأكيد نورا عاشت هذا الجزء، مؤكد قامت بتلك الحركة أو شمت هذه الرائحة أو لمست هذه القطعة، وصفت صوت المترو كما أشعر به بالضبط! لا يمكن أن يصف شخص كل تلك المشاعر والروائح والمواقف دون أن يعيشها حقًا، كنت أرى أمام عيني ما تكتبه، وكأنها رسمته بصورة خيالية تتجسد مع كل صفحة اتخطاها من صفحات الرواية.

*بكيت حين مات سعد وبكيت أكثر وأكثر حين زار مكان موت أبيه، شعرت بالغصة والفقد والوحشة والخوف معه، كنت اقرأ الرواية وأنا أسير بهدوء في الشارع فجلست على جانب الطريق لأتماسك قليلًا، والمصادفة العجيبة أنني كنت قبلها بلحظات أخرج من محطة مترو السادات وأسير نحو الميدان، المكان ذاته الذي رحل فيه سعد!

*كنت اقرأ صوت ياسمين حين وصفت كيف إنها أصبحت لا تتذوق النسكافية الغني الذي كانت تفضله نصفه ماء ونصفه حليب ونصف ساخن، حين كنت أمسك بكوب النسكافية في يدي بالفعل، وكما تفضله بالتحديد دون أدنى تغيير! فتوقف لساني عن الشعور بمذاقة ولم تعد معدتي تشعر بدفئه!

*لا أعلم لماذا كانت تطاردني أحداث الرواية بمفارقات عجيبة طوال قراءتها وكأنها تضيف توحد وثقل أكثر مما أشعر بالفعل ما بين سطورها!

*ربطها ما بين موقعة الجمل وحتى فترة جائحة كورونا خلق لدي شعور إنها تربط الحصار ببعضه، المرة الأول حاصرنا مجهولين، والمرة الثانية حاصرنا فيروس مجهول، الجهل وباء بكافة اشكاله، جهلك بعدوك يجعلك لا تعرف من أين ستأتي ضربته.

*شخصية "نانا" كانت هي حل اللغز، على الرغم من ظهورها في أحداث الرواية منذ بدايتها إلا أنني شعرت إنها أكثر شخصية غريبة وغير مفهومة حتى بدأ الفصل الأخير من الرواية معها، كانت حل اللغز لكل الأحداث التي ظهرت قبلها ومواقفها وردود أفعالها وحتى ردود أفعال الشخصيات الأخرى، كلما تحدثت ووصفت مشاعرها كنت أشعر بثقل فوق قلبي، غصة تعُقني عن التنفس وتُبكيني.

*القراءة الثالثة لنورا ناجي وفي كل مرة أجدها مختلفة سواء من حيث الفكرة أو السرد أو حتى روح العمل نفسه وكأنها تتلبس الأبطال والحياة التي ترسمها، تحتاج هذه الرواية عند كتابتها إلى خريطة لربط الأحداث ببعضها البعض عبر الشخصيات، ولكن لقراءتها تحتاج كل ما تملك من حواسك وفي مقدمتهم أيضًا قلبك، هي رواية تقرأ بالقلب والروح والذاكرة، من الروايات التي سأحتاج فترة للتعافي منها، ولا أعلم كيف تعافت نورا ناجي من كتابة هذه الرواية المؤلمة بعد أن توحدت معها بهذا الشكل.

*اقتباسات:

❞في الضباب الخفيف يسطع هو لون الحزن والأحلام البعيدة، ولون الفرح الناقص، والحب الباهت، والكراهية الممزوجة بالحسرة الأزرق شفاف على الرغم من عتمته، يشفُّ الجلد فوق عروق اليد البارزة، ويطلي الأظافر في الأمسيات الباردة❝

❞الأسود لون الأغاني، لأن الحزن فيها غالب على الفرح تتضارب جميع الأحاسيس في الأسود، لأنه قادر على تلويثها ببطشة واحدة، مثلما يغيِّر الألوان الصريحة بنقاط قليلة، يغير الأصفر إلى زيتي، والأزرق إلى نيلي، والأبيض إلى رمادي، والصراحة إلى ملاوعة يكره الجميع الأسود وتحبه المرأة الراغبة في التلاشي، تختاره الفتيات في بداية مراهقتهن لإخفاء أنوثة خجلى، ويختبئ داخله القتلة في الليل، الأسود لون الإخفاء، ولون الفقد، ولون القلوب التي توقفت عن النبض وهي لا تزال على قيد الحياة..❝

❞الأخضر لون الكذب، لأن الكذب بريء مثله، مريح مثله، ويخفي الحقائق التي لا نريد الاعتراف بها لأنفسنا وللآخرين مثله. الكذب مسكين مثل الأخضر، ومثله غريب ووحيد. ❝

❞حقول فان جوخ خضراء فاتحة، بدرجة تميل إلى الأصفر ولا تنتهي إليه، رأى فان جوخ العالم بدرجات باهتة من أصولها، لأن اكتئابه منعه من الرؤية الصريحة لكل شيء، كان يعرف أن النمو ينتهي بالموت، لأن الأخضر هو أيضًا لون الفناء.. ❝

❞ ‫ أردت زيارة المكان الذي مات فيه، فكرت أن للموت ثقلًا لا يختفي، تخاف أمي من دخول المستشفيات، تقول فلان جارنا مات فيه وأقول لها يا ماما، ثمَّة إنسان مات في كل مكان على هذه الأرض، كل حجر، كل ذرة تراب، كل رصيف وكل شارع وكل بيت وغرفة ودرجات سلم وشرفة، كل حيِّز صغير، مات فيه شخص ما في زمان ما. كيف نفرُّ من أماكن الموت؟ وكيف نتجنب الخطو فوق بقعة تحمل ثقله؟ ❝

❞البرتقالي على الرغم من زهوته منكسر، وكأنه يمنح السعادة دون أن ينالها، قلب حبات المانجو الناضجة في صيف حار، قشر برتقال لامع في شتاء قاسٍ، التناقض بين هدوئي وبين صخبي، بين حزني وبين سعادتي، بين غربة أبي وحضوره، بين ضعف أمي وقوتها. ❝

❞أنا أريد أن أموت خفيفة، مثل طيف عابر أو فراشة، فراشة بيضاء تحلق قليلًا على العشب في حديقة ثم تختفي في ضوء الشمس. ❝

❞الرسائل لم تعد تنجلي في عقلك كصورة لظرف في صندوق بريد، صارت جملًا مصفوفة تنتظر فتحك للشاشة، كتابة الرقم السري أو طبع البصمة، لتظهر لك كلمات قد تقتلك أو تحييك صوت الرسائل هو صوت العالم الجديد، وهو الدليل على الاختيارات الخاطئة، وقصص الحب الميتة، والحياة التي لا نريدها، والدليل أيضًا على وجود حياة أخرى نتمناها.. ❝

❞ صوتك الذي يسمعه الجميع ليس حقيقيًّا، صوتك مستعار يختلف عما يتردد داخل فراغ جسمك، تريد أن يسمع العالم صوتك الحقيقي، تعبئه في رسائل صوتية، تسجيلات ومقاطع فيديو ومكالمات وهتاف تسكبه في آذان أحبائك، ربما يحفظه أحدهم داخله، ثم يبعثه ذات يوم ليثبت مرورك على الحياة. تتخيل صوتك مثل هدير داخل حائط، مثل سريان الماء في ماسورة، مثل نمو جذر داخل الأرض أو هواء يمر عبر تجاويف شجرة. صوتك هو تعريفك إلى العالم.. أو هو العالم بأكمله.. ❝

❞ما الحياة أصلًا؟ مجرد مزحة.. تطلُّع إلى هدف بعيد مضيء ومُغرٍ، وعندما نصل إليه نكتشف أنه محض سراب. ❝

❞ الروائح مثل كل شيء خدّاعة، العقل يخدع صاحبه بذكرى رائحة، يصنعها بنفسه تمسكًا بماضٍ لن يعود أبدًا. ❝

❞ كيفَ تَرْسُمُ قلبًا؟ ‫ علامتا استفهامٍ متقابلتان؟ ‫ شكلٌ هلاميٌّ يشبه أخطبوطًا ميتًا؟ ‫ ما رائحةُ القلبِ؟ ‫ حديقةٌ من زهورٍ؟ ‫ أم مطهرٌ قويٌّ في غرفةٍ فارغةٍ؟ ‫ ما القلبُ؟ ‫ دقاتٌ فرحةٌ عند رؤيتِك؟ ‫ أم خفقانٌ مؤلمٌ يشبه غيابك ❝

❞ الفيسبوك يزيِّف الحقائق ويزيِّف الحياة ويزيِّف تاريخ هذا الجيل. ❝

❞ نحن الجيل الأكثر تواصلًا، وعلى الرغم من ذلك الجيل الأكثر إحساسًا بالوحدة. لماذا يقبع كل منا داخل كرة شفافة؟ ❝

#دينا_ممدوح

#bookreview

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق