كل ما أعرف > مراجعات رواية كل ما أعرف > مراجعة Moustafa M. El Sayed

كل ما أعرف - علي قطب
تحميل الكتاب

كل ما أعرف

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

السقوط في بئر الخيانة، أو قلوب لا تعرف الحب

الكتاب: كل ما أعرف

المؤلف: على قطب

دار النشر: العين للنشر والتوزيع

سنة النشر: 2021

الصفحات: 126

الغلاف:

" كل ما أعرف" رواية جديدة لقلم شاب متألق ومنطلق. يحكي لنا عن عدد محدود من الشخصيات (بالتحديد أربع)، اختارها بدقة وعناية فائقة كنماذج تمثل جيل شباب هذه الأيام (جيل اليومين دول!). الذين تربوا على مقولة الآباء والأمهات: "اعمل يا حبيبي (يا حبيبتي) اللي تحبه". فتكون النتيجة المنطقية -كما يصورها لنا المؤلف هنا- أن كل شاب أو شابة يصنع لنفسه عالمًا خاصًا به من صنع هواه. عالم لا يمثل الواقع، ولكنه عالم من ألعاب ودمى يلهو بها كيفما شاء. الناس ألعاب.. المشاعر ألعاب.. الأعراض والأخلاق والمبادئ ألعاب...إلخ.

جميعهم سقطوا في بئر الخيانة؛ الزوجة تخون الزوج، والصاحب يخون صاحبه، وابن الخالة يحترف الخيانة وابتزاز الخائنات. ومعهم وبينهم شخصيات أخري تتمرغ في قاع نفس البئر...

لماذا؟ لأنهم جميعًا بلا قلوب، أو بالأحرى لهم قلوب لا تعرف -ولم تعرف مطلقا- ما يسمى "الحب". قلوب أتلفها الهوى -إن جاز التعبير-.

ولذا من أكثر ما أعجبني وأراه أفضل ما فعله المؤلف في هذه الرواية، هو تقسيمها إلى فصول سبعة، معنونًا كل فصل باسم من أسماء أبطال الرواية (مع تكرار أسماء ثلاثة كعناوين). في كل فصل تنطلق الشخصية صاحبة العنوان لتقص علينا الجانب الذي تراه من الرواية. وهي في الحقيقة إنما تصف لنا -بصراحة وأمانة- عالمها الخاص. عالم من صنعها، وليس فيه إلا هواها ومتعتها. فالمؤلف هكذا -فعليًا-يضع القارئ أمام جريمة متعددة الأركان والأوجه، ويشعر القارئ وكأنه يشهد وقائع محاكمتها كما ترويها شهادات الشهود.. وهذا ما مكنه أن يستولي على اهتمام القارئ، واثارة فضوله منذ السطر الأول وحتى النهاية.

*****

"غدير" الزوجة وبطلة الرواية... الثلاثة يريدونها... من هم؟ سنعرف لاحقًا.. هي لم تتزوج لأنها أحبت أو شيء من هذا القبيل، بل لأنها حتى موعد زفافها لم تجد البديل المناسب الذي يفوق زوجها دخلًا أو نفوذًا. وعندما ظهر البديل، "عادي".. "No problem".. انتقلت إلى عنوانه في طريق الخيانة. تثمن ما تقدمه للعشيق في العلالي، وتحصل على الأثمان أضعافًا مضاعفة. وحتى عندما أهانها هذا العشيق ورفض الزواج منها، وأخبرها أن أهم ما يميز علاقتهما عدم الزواج، لم تغضب أو تنتفض وتلجأ لمثل هذه الحلول الخائبة، بل تعاملت مع الموقف المشين بمنتهى الاحترافية.

وكذلك عندما أدركت -متأخرًا- أن زوجها الكاتب والمؤلف، والذي تقول عنه أنه خانها وتزوج كلماته وأوراقه وأنجب منها قصصًا وروايات، هو الذي خطط لكل الأحداث، وهو الذي استدرجها ووضعها في اختبار الخيانة مع صديقه الثري، وأنه فعل كل هذا لمجرد الحصول على عالم يمكن الكتابة عنه، لم تغضب أو تتمرد أو تعتدي. بل استمرت في إدارة حساباتها في هدوء.

"أحمد علي" أو "علي"!! الزوج وبطل الرواية. أصر المؤلف على أن يجعله أضعف الشخصيات من حيث الإمكانيات والقوة والنفوذ وتدبير الأمور. الحكي هو الشيء الوحيد الذي يتميز فيه. ومع ذلك نكتشف أنه محرك جميع الأحداث، وهو المحور الذي تدور حوله شخصيات الرواية وصراعاتها. هو الذي ابتدأ طريق الخيانة حين انصرف عن زوجته، وهام عشقًا بأوراقه وكلماته وقصصه. حينئذٍ بدأ صنع واقعه المتخيل على الورق. واستبد به عشقه هذا، حتى دفعه لكتابة رواية عنوانها ومضمونها الخيانة، واختار لبطولتها زوجته وابن خالته وصديقه، كلا لدوره المناسب. كل هذا ابتدعه ليعيش بداخله عالمه الخاص. يقول لصاحبه: "مشكلتي الأساسية أني استطعمت الوِحِش ففسدت حاسة التذوق عندي!!". وفي الحقيقة هي مشكلتهم جميعًا، ولكن كل يعبر عنها بأسلوبه الخاص ولغته الخاصة.

ويقول عن زوجته: "... فيصيبني الإحباط، لكوني غير مهتم بهذا الهراء الذي تعشق غدير قراءته. أتعجب لعدم تفكيري في مشاركتها ما تحب من أشياء، يرد مبرر داخلي: "ما هي كمان عمرها ما شاركتك في حاجة تحبها، المعاملة بالمثل"..."

"ياسر الغنام" صديق الزوج... رجل الأعمال الثري... صاحب الثراء العريض الذي يؤهله ويكسبه ثقة كلا من الزوجة والزوج لممارسة الخيانة معه. وله فيها باع وتاريخ منذ صباه. منذ كان في الصف الثالث الإعدادي تعلم وتذوق لذة الخيانة مع مدرسته أم صديقه!! وعندما كبر وورث المؤسسة الضخمة عن أبيه، وتدفقت الأموال بين يديه، قرر أن يكون بنكًا متنقلًا لمن يختارها عقله لمشاركته الفراش. ودائما يجئ حله لأية مشكلة يصادفها في هذا الصدد، أن يحرر شيكا بقيمة مغرية لإنهاءها. فالمال عنده يشتري كل شيء وأي شيء.

"أحمد محفوظ" ابن خالة الزوج وصديقه منذ طفولتهما... الصديق الحميم غير الوفي... المجرم الذي احترف وتخصص في جريمة ابتزاز الخائنات.. بدقة وبعد بحث يختارهن لعلاقات يسعى بكل وسيلة أن يجعلها حميمية، ليظفر بمبتغاه.. هوايته المفضلة تعرية كل أنثى أوقعها حظها العاثر في طريقه. بعد ذلك ومع توالي اللقاءات وإعداداتها، يشكر التكنولوجيا السافلة وخبرته بها على ما أتاحته له من تسجيلات صوتية وصور ومقاطع فيديو، "لا تظهر إلا للابتزاز".. هكذا يقول. هو يمارس شتى ألوان الجرائم، ويخالط مرتكبيها من كل أصنافها، لكنها جميعا تدور في فلك التغرير بالخائنات وابتزازهم. هذا هو شغفه وهواه ومصدر رزقه. منتهى سعادته حين يسمع أو يتسلم رسالة على هاتفه المحمول كتب فيها: "تعال استلم الفلوس... حينها يقول منتشيًا: من حقك تفخر بنفسك يا محفوظ!!".

*****

عفوًا! أنا لا أكتب ملخصًا للأحداث هنا.. لكنني أقدم نبذًا عن النماذج التي يحكي عنها المؤلف في روايته. مجرد تعريف للعالم الخاص بكل نموذج أو شخصية. وتلك هي حبكة الرواية: الصراع بين هذه العوالم الأربعة المحورية. فمن ينتصر؟، ومن يبوء بالخسران؟... ومن يواصل مغامراته؟ ومن ينسحب؟ ومن؟ .. ومن؟.. هذا ما سيعرفه القارئ من خلال صفحات تلك الرواية الواقعية والمثيرة.

*****

كذلك أعجبني كثيرًا أسلوب الحياد في السرد الذي انتهجه المؤلف. هذا الحياد تمثل في صفتين كلتيهما على جانب كبير من الأهمية: الأولى هي عدم ترجيح كفة أي شخصية على حساب الأخرى، وهذا خدم النص المكتوب وحبكته كثيرًا، إذ احتفظ بالصراعات مشتعلة حتي النهاية. والصفة الثانية هي: عدم الإنزلاق إلى أسلوب النصح والمواعظ والمبادئ والفضائل وما إلي ذلك. وبهذا احتفظ المؤلف لروايته بالواقعية والمصداقية. فالرواية تحكي عن صراعات بين بشر من لحم ودم، تحرك هذه الصراعات نقائص البشر.

*****

أما ما لم يعجبني فيتمثل في أمرين؛ أولهما صغر حجم الرواية. فمائة وست وعشرون صفحة أجده صغيرًا بالنسبة لرواية متقنة ومحكمة، وأسلوب كتابتها ينساب في سلاسة وبلا تكلف. فلماذا يضن المؤلف علي القارئ هكذا.

الأمر الثاني يتعلق بلغة الحوار. فالمؤلف كتب روايته من البداية إلى النهاية بأسلوب السرد الذاتي؛ فهي تسجيلات لأقوال الرواة الذاتيين أبطال القصة. وهكذا قرأناها مكتوبة بلغة عربية فصحى بسيطة ومعبرة تمامًا عن كل المعاني المقصودة. فضلًا عن كونها تنم عن قدرة المؤلف على التعبير الدقيق الخالي من التفلسف والحشو. لكن برغم ذلك يفاجئنا المؤلف ياستخدام اللغة العامية في الحوارات بين الشخصيات. بل ويتمادي في ذلك فيجعلها اللغة السوقية أحيانًا. هذا الأمر لم يعجبني، وأنا أعي جيدا اختلاف وجهات النظر عليه، فلا أملك هنا سوى تسجيل وجهة نظري.

*****

آخيرًا اقتبس بضعة عبارات بسيطة وساذجة جدا، ألقتها إحدى الشخصيات الهامشية على مسمع البطل، لكنها تعبر إلى حد بعيد عن الجيل الذي تتناوله الرواية:

"تعرف مشكلتنا الحقيقية إيه؟

القحبة الزمنية (يقصد الحقبة الزمنية)...

العصر اللي بنعيشه دلوقتي هو السبب في مشكلتنا...

كلنا بنجري علشان طمعانين نحقق أحلامنا..."

صدق!! فالكل يجري جري الوحوش، وراء أطماعهم. والكل يظن أن هذا العالم له وحده، ولا يحق لأحد أن يشاركه فيه، أو يسأله عم يفعل؟ أو لماذا؟ أو كيف؟

*****

هذه هي رواية الأستاذ علي قطب: "كل ما أعرف". رواية مكتوبة بحس واقعي عميق، وبناء روائي محكم، تقدم لنا مسلسلًا من لوحات فنية متنوعة مفعمة بالحياة لعناصر من صميم المجتمع. وهي كذلك بشرى للقراء بروايات وقطع أدبية أخرى ممتعة ومبهجة بقلم المؤلف في المستقبل -بإذن الله-.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق