غرفة إسماعيل كافكا > مراجعات رواية غرفة إسماعيل كافكا > مراجعة نسرين علي

غرفة إسماعيل كافكا - شيماء هشام سعد
تحميل الكتاب

غرفة إسماعيل كافكا

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

| غرفةُ إسماعيل كافكا: سمفونيّةُ الدفءِ والكآبة! |

أريدُ أنْ أَمشي حافيَةَ القدَمَيْنْ

أنْ يَلثمُ باطنُ رِجليَّ ترابَ الأرضْ

أنْ أستنشقَ عَبقَ القطْرْ

هذا ما حدّثتُ بهِ نفسي عَقِبَ قراءتي لرواية "غرفة إسماعيل كافكا" للكاتبة: شيماء هشام سعد.

إنّ هذه الرواية جاءَتني كمِصيَدة جديدة في فترة امتحاناتي هذه، وكان الطُّعمُ هذه المرة: عُنوان الرواية وانقطاع الكهرباء.

ما تزال ذكريات "مَسخِ" كافكا البائس: غريغوري سامسا، تغوي ذاكرتي وتترك لي في المقابل مذاقاً للدفءِ والكآبة يكتنفُ روحي إلى اليوم من ذكراها.

فهل ثمةَ بؤسٌ لِمسخٍ آخر تَرويه لي هذه الرواية؟!

لن تجعلك الكاتبة تفكّر كثيراً، بل وكما بدأ كافكا روايته تلك دون مقدمات:

"إذْ استيقظ غريغوري سامسا ذات صباح، على إثر أحلام سادها الاضطراب، وجد أنه قد تحول، وهو في سريره، إلى حشرةٍ عملاقة".

تبدأ "شيماء" روايتها بمُحاكاةٍ آسِرة:

"بعد قرابة عشرين عاماً من الشلل التام وملازمة الفراش، قرّر إسماعيل أن يموت يوم الجمعة، وإذا كان اليوم هو الثلاثاء فإن أمامه ثلاثة أيام قبل أن يفعل ذلك".

ما الذي جعله ينتظر كل هذا الوقت حتى يتخذ هذا القرار؟ لماذا يوم الجمعة بالذات؟ كيف سينجح في ذلك وهو مصاب بالشلل التام؟!

لا تقلق عزيزي القارئ؛ لن تبخل عليك الكاتبة بالرد على كل تساؤلاتك هذه منذ البداية حتى لا تُعطّل عليك الغرق في كآبة الرواية والالتحاف بدفئها دون مُنغِّصٍ يُنغّصُ عليك هذه اللذة التي قد لا تجدها إلا في بيوت الجدّات عند سقوط المطر واشتعال الصقيع في الأطراف.

لقد ذكّرني هذا بقول عدنان الصائغ:

"يتدفأ قلبه بالذكريات

بينما أطرافه...

ترتجف من البرْد!"

عليه؛ أنبّهك أيها القارئ اللبيب إلا أن هذه الرواية لا تُقرأ إلا شتاءً عند سقوط المطر؛ إنها سمفونية الدفء والكآبة لا تنسى!

يبدو أننا تأخّرنا عن بطلنا البائس إسماعيل أكثر مما ينبغي، أعتذر يا عم، ولكن كما تعلم -أو لا تعلم- هذه لعنة الاستطراد التي تأبى مفارقتي.

إذاً؛ ثلاثة أيام فقط تفصل إسماعيل عن موته المخطط له، ثلاثة أيام كفيلة بأن يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسب على حدِّ قوله. نعم، نسيت أن أخبركم أنه يحذو إلى الثالثة والستين من عمره في لقائكم الأول معه.

"لا يريد أن يثبت لنفسه أنه رجلٌ حزين، هذا شيءٌ يعرفه بطبيعة الحال، لكن الحزن لا يُقلِّمنا من أخطائنا، كما ولن يُجرى لنا حَسْمًا على فاتورة الحساب لأننا كنا حَزانَى".

إسماعيل، الطبيب الذي عانى في طفولته ليقول لنا شيئاً واحداً، أو لأكون أكثر دقةً، ليهمس لنا -لألا يسمع والده قوله هذا- بأن نُقيم الأسلاك الشائكة حول طفولة أطفالنا، أن لا نسمح إلا للفراشات والعصافير وهمس الأمطار والنجوم أن يصل إليهم، أن نتعامل معهم كما نتعامل مع جناح فراشة، الشدة تجعله رماداً تذروه الرياح، واللين المفرط يجعله ملهاة الريح.

"سيُدرك بعد سنين طويلة أنه عاش حياته ينتظر فيما ينتظر من النساء تلك اليد التي تمسح جروحه وتحنُّ عليه".

مريم، البطلة الثانية في هذه الرواية، زوجة إسماعيل والتي دفعت عمرها في خدمة جسده العاجز طوال عشرين عاماً، تهمس لنا -لألا يسمع قولها زوجها والعشيرة- أن لا تضعوا حيواتكم رهن المنافسة مع من لا يعبء بوجودكم ولا يهمه الفوز عليكم حتى، فأنتم الخاسرون الخاسرون، لا تدعوا الشك يقتات على قلوبكم فوق نار الحقد والغيرة الخبيئة.

"إن كل امرأة عرفها كانت تعاني بشكل ما، وكلهن كن يُلفِّقن أسبابًا للتحمل بدلًا من البحث عن نقطة للخروج".

عبد الرحيم (صديق إسماعيل) يهمس لنا بسيرته الذاتية على لِسان الراوية:

"لقد كان رجلًا من نوع مختلفٍ تمامًا عن صديقه، من النوع الذي عندما يقف في قلب مأساة ينظر حوله بعينين مفتوحتين يملؤهما عن آخرهما بما يرى ثم يقول: «والآن؛ ماذا علينا أن نفعل حيال هذا؟»، كان من الشباب البريء الذي يرى في نفسه دائمًا القدرة على فعل شيءٍ ما حيال أي شيء".

ولا عجب أنني أحببتُ عبد الرحيم دون أن تتجاوز حدود معرفتي به هذه الأسطر الحبرية؛ فقد وجدتُ فيه هنا مرآة.

"لقد جلستُ في الزاوية وأكلتُ نفسي فقط حين كان عليَّ أن أفعل أشياء أكثر جدوى".

ليعود إسماعيل الشيخ ليصدح بل ليصرخ في وجوهنا بقوله:

لا تؤذوا كما أوذيتم، لا تبرّروا ظلمكم لغيركم بظلمٍ عايشتموه، لا تشاركوا بيوتكم مع مَن لا يمكنكم مشاركتهم قلوبكم، لا تظلموهم مرّتين، أشكروا الله على نعمه اللحظة فقد لا تكون بحوزتكم بعد لحظة، أطلقوا أرجلكم تحت الشمس وأرواحكم فوقها، املؤوا مسامكم برائحة المطر والأطفال، ألقوا التحية على السماء كل ليلة وفجر، روّضوا قلوبكم بالمحبة والرضا عن الله في كل حين وحال، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا بالاستغفار.

"أستجيء ابنته لرؤيته هذه المرة أم ستغادر دون أن تسلِّم عليه كالمرات الثلاث السابقة؟ هذه أيضًا واحدة من مُترتِّبات المأساة من هذا النوع؛ أنك بالتدريج تكفُّ عن أن تكون مرئيًّا ومُهمًّا، شيئًا فشيئًا يُصبح وجودك عديمَ المعنى للآخرين، وتصير رؤيتك من وقت لآخر مجرد روتين لاستكمال الصورة العائلية، أو تماسكٍ مفاجئ لذاكرة لا تكفُّ عن إسقاطك سهوًا، أو واجبٍ مملولٍ وثقيلٍ يؤدَّى على مضضٍ للتخلص من ملامةٍ محتملة أو لتلافي عذاب الضمير".

________________________

ماذا عن لغة الرواية؟

حسناً؛ هي جميلة ذلك الجمال العادي الذي يأسرك تناسقه لا فتنته، لم تكن لغة أنسب لإسماعيل أن يكتب بها إلا هذه، أنا نفسي لم أكن لأكتب بغير هكذا لغة؛ إنه سر الجمال العادي أيها القراء. إنها لغة وسرد سيشعرانك بالعجز الذي لا يختلف شيئاً عن عجز بطل الرواية، جميعنا مقيّدون!

"كما لو كنَّا أطفالا يقذفُنا الحُبُّ عاليًا في الهواء فنَنتشي. كما لو كانت أُمًّا هلوعة تتلقَّفُنا الحياة، تُعيدُنا إلى الأرض، وتفتحُ أعيُنَنا".

ولكن؛ كنت لأود أن لا تتدخل جنيّة الكتابة للراوِية في سير الأحداث، كنتُ أود أن تستمر هكذا، بلحنٍ رتيب عتيق يأخذنا لنغوص في ذكريات إسماعيل ونتخلص معه من أعلاقها. لقد خذلني الجزء الثاني من الرواية كما تخذل السماء التي تتوعد بالمطر ولا تمطر.

"لأنه بالفعل مات كثيراً حتى اليوم، ولكن كانت كلها ميتات غير كافية لاستخراج شهادة وفاة، وبالتالي لإطلاق سراحه".

ورغم هذا؛ ستظل ذكرى إسماعيل المشالي مرافقةً لذكرى غريغوري سامسا في خيالي؛ كلاهما تعرّض للنبذ، من عائلته ومن كاتبه على حدٍّ سواء، ولَم يجدا غير سواعد القراء مشرعةً لاستقبالهم!

- نِسرين علي

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق