يبدو أني قد غطست في ضباب أو سقطت في بحر حليبي !
الى القارئ القادم لهذه الرواية ، إن هذا الكتاب بلوة مرعبة !! .
اسقاطات في جميع الاتجاهات ، وتوصيفات مجازية على جميع الجبهات دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية ، يرافقها غوص في أعماق النفس البشرية .
يسير بنا جوزيه ساراماجو على جسر معلق بين اليقين واللا يقين ، ثم يزيح الستارة ( وهذه كلمة لا تعبر عن ماهية ذلك الشيء الذي يغطي على كينونة الأشياء ) ليؤكد لنا حقيقة ( غير مؤكدة ككل الحقائق ) أن لا شئ مؤكد في كل ما نراه أو نعتقده .
فمن أبرز ما حاول الكاتب تسليط الضوء عليه ( او اطفاء الضوء عنه ) هو استحالة إطلاق الأحكام النهائية في ظل تعقيد شبكة العلاقات الاجتماعية و الالتفافات المنطقية اللامتناهية التي يمكن أن تحاط بها أي عقيدة أو نظرية و منهجية فكرية .
إذن هو انتشار نوع من العمى المجازي بين الناس ، ثم هي طريقة تعامل المنظومة المجتمعية مع هذه الحالة ، وتتبع لممارسات الحكومة والجيش والمواطنين والإعلام ونتائج كل خطوة لهذه الجهات على أرض الواقع ، وكيف تتزايد الفوضى وتتوالد الأزمات مع كل إجراء ، وفي النهاية يكون التطرف هو خيار الجميع .
و هذه حالة نعرفها جيدا نحن سكان هذه البقعة العمياء من الأرض ، هذه حالة نعرفها وتعرفنا ! .
تجدر الاشارة ان الرواية كانت لتكون أكثر امعاناً في العبقرية لو ترفع الكاتب عن تفسير بعض الرموز والإشارات بما فيها حجب الأسماء عن أبطال الرواية ، ففي ظني أنه لو ترك للقارئ حرية التحليل لكانت الرواية تجلت على قمة العبقرية .
على أية حال فلا ينكر المرء بأي شكل من الأشكال أننا أمام عمل أدبي بالغ الرفعة والرقي والجمال .
فإلى الساقط القادم في هذا البحر الحليبي ......
من وسط الضباب ........تحياتي