أرض الإله > مراجعات رواية أرض الإله > مراجعة يونس الشرقي

أرض الإله - أحمد مراد
تحميل الكتاب

أرض الإله

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

برع الروائي والسيناريست المصري أحمد مراد في حبك رواية جديدة تسم مشواره الروائي المُميز والمتنوع.

أ‌. ملخص مُكثف للرواية:

أرض الإله = إيڇيبت بلغة الڇبتيين، هو اسم روايته الأخيرة والتي تحكي عن قصة كاهن ڇبتي (كاي) يجد نفسه مضطرا للهروب من مردخاي رئيس قصر فيلادلفيوس (بطليموس الثاني أحد الملوك البطالمة والذي حكم مصر سنة 250 قبل الميلاد). فبعد قتل كاهن معبد الأسوار السبعة الأعظم (مانيتون السمنودي) من طرف يهود الإسكندرية، أُلصِقتْ التهمة بكاي مما اضطره للهروب، خاصة بعد كشفه لسبب قتل معلمه (الكاهن الأعظم)، فقد استطاع كشف حل شيفرة كتبها الكاهن بدمه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليهتدي إلى برديات قد كتبها مانيتون بلغة هيراطيقية تحكي قصة نبي الله موسى عليه السلام وأحداثه التي عاشها مع فرعون. كان مردخاي يريد البرديات بشدة لأنها تُخالف التوراة وتحكي، كما يدعي أحمد مراد، القصة الحقيقية لموسى عليه السلام، وتسرد التاريخ الحقيقي لملوك إيڇيبت، والتي زَوَّرها بنو إسرائيل. لم يَفُت الراوي إقحام تيمة الأنثى الغاوية، ناديا التي ستأسر قلب الكاهن كاي، والتي سترافقه بأغلب أحداث الرواية.

ب‌. قصة موسى عليه السلام:

هنا سأجرد بعض النقاط المستسقاة من القصة التي كانت عمود روايته ومصمد حبكته:

1- ادَّعى الكاتب أن طوفان نوح لم يشمل كل البسيطة، بل قبيلته فقط.

2- نسب بني إسرائيل: قدم الكاتب تعريفا لبني إسرائيل أنهم قوم لا يمتون ليعقوب عليه السلام بصلة، بل هم قوم خالطوا بني يعقوب النسبَ، حتى سلبوهم تاريخهم وبدأوا في تحريفه ونسبه لهم، حتى انهم ادَّعوا أن إسرائيل هو يعقوب نفسه، وهذا ما أنكره الكاتب.

3- شخصية فرعون:

- نسب الكاتب فرعون إلى العماليق، الذين احتلوا أرض إيڇيبت، وأرجع أعراقهم إلى قبائل العرب البائدة، وقد ادَّعى رجوع نسبه لقبيلة ثمود.

- نفى الكاتب لقب الفراعنة عن حكام مصر القديمة، بل حَصَر اللقب على الملك الذي عايش موسى عليه السلام، وأن الملك أحمس الذي جاء بعده، هو ڇيبتي أرجع أرض مصر لمهدها.

- أن فرعون لم يمُتْ غرقا، بل قد نجَّاه الله، فوصل هاربا من موسى إلى أطلال ثمود، ومات هناك بعدما استعصى العلاج معه.

4- الڇيبتيين وإدريس عليه السلام:

- نسب الكاتب الڇيبتيين وعبادتهم إلى إدريس عليه السلام، وأنهم على ملته الحنيفية.

- جاهد أحمد مراد في تبرير عبادة الڇيبتيين للأصنام، فأجرى على لسان موسى في محاورته للسامري (للأسف لم يوفق الكاتب في هذا) أن تلك الأصنام ماهي إلا ملائكة وأنبياء، لا يعبدها الڇيبتيون بل يُجلوها فقط!

- حورس هو إدريس عليه السلام وست هو أخوه الذي حاربه.

- كهان الڇبتيين الكبار يرون الملائكة ويعلمون بعضا من الغيب.

- قراءة الكف والتنجيم أمر سامٍ لا يعرفه إلا المتمرسين من الكهان.

5- الملائكة عند أحمد مراد:

- وقع أحمد مراد في وصفه للملائكة بسرادق ضيق، فعندما سرد اعتكاف موسى عليه السلام بالجبل، ادَّعى أن رسول الله رأى الملائكة برؤوس كالطيور والأسود بأجنحة عظيمة، أما جبريل عليه السلام فله رأس كأبي منجل.

6- موسى عليه السلام:

- اعتمد أحمد مراد على الرواية الإسلامية أساسا في سرده لكنه وقع في تخبط بكثير من الأحداث، كاعتكاف موسى بالجبل، وقضية تسليم كليم الله لإنشاء التماثيل بل وتبريره لذلك عندما انبهر السامري بمعبد الڇيبتيين.

- وفاة هارون وموسى عليه السلام كانت إثر اغتيال وخيانة من طرف بني إسرائيل.

- اعتماد رسول الله المصطلحات الڇيبتية العَقَدية كلفظ الراعي الذي يقصدون به الله جل جلاله.

- نسب الكاتب كتابة التوراة لـ عزرا وليس موسى عليه السلام، وهو حاخام عاش بعد كليم الله بثمانمائة سنة.

لن أطيل بهذه النقطة الشائكة التي خاض غمارها الكاتب، والتي وُفق في بعض أحداثها، خاصة الطابع الروائي الذي اعتمده في سردها، لكنه سقط عدة سقطات عقدية، خاصة أنه أراد إظهار الڇبتيين أنهم قوم كانوا وظلوا على الحنيفية، فطَوَّع القصة كي يُظهر التشوه الذي شاب عقيدتهم، بتقربهم للأوثان وانكبابهم على التنجيم، بمظهر حسن بل أنه أمر عادٍ مُوافق لعقيدة الأولين!

غير أن الحبكة التي صاغها الكاتب تفلَّتتْ منه، فكان الإطناب والحشو ميزة عليلة بنصه، ليُعطي للملل متنفسا ومقعدا بقلب القارئ.

ت‌. قصة كاي:

اعتمد الكاتب شخصية كاي كشخصية محورية بعمله، فهو البطل وهو من يترجم البرديات، وقد توسمتُ في الرواية التشويق البراوني (نسبة لدان براون)، جريمة قتل غامضة وشيفرة كتبها الكاهن بدمه قبل أن يلفظ آخر أنفاسه. لكن الكاتب اختار تفتيت تلك الخاطرة، فَحُلَّت الشيفرة بسرعة، واعتمد على تشويق عليل ينحسر بهروب الكاهن من قبضة مردخاي وآرام فقط.

من آرام هذا؟

آرام مربي كلاب قتال، كان يهيم بخليلته ناديا (راقصة وعازفة ناي ومريضة نفسية) التي آثارها على النساء، لكنها خانته وتبعتْ كاي بعدما أحبته، وخاضتْ معه كل غمار هروبه. ألبسته ثوب الغواية وبنى بها، حملتْ منه، ثم أرجعها آرام له عُنوة بعدما أطلق كلبه المفترس على كاي، ليجد الكاهن مكانها بعد مُدَّة، لكن بعدما ماتت وتركتْ له وليدة تُشبهها.

اعتمد الكاتب كعادته برابطة كاي/دنيا على كلمات ماجنة. فنجد أن العهر يَلُفُّ تلك علاقة، التي تعتمد على الجسد بالأساس، بل يسوغها في قالب ماجن ويُلبسها لباس الطهر والعفة. وهذا ديدن الكثير من الرواة الجدد للأسف، فلا أجد مُسوغا لملء كل تلك الصفحات بتفاصيل ماجنة لا تضع لبنات داعمة بسيرورة الأحداث. وتكفي الإشارة لفهم المعنى دون الخوض فيه، فهل يرانا الرواة (كقراء مفترضين) قليلي فهم وإدراك؟ أم ذاك شبق يُحققون لذته بسرد تفاصيل العهر؟ أم زَجٌّ بالأنفس في جحور الضباء اقتفاء لغرز الغرب؟

يمكن تلخيص غرض الكاتب وهدفه في مجاهدته التي لم يُوفق فيها لإظهار الڇيبتيين بمظهر حسن، وأنهم لم يُدنسوا عقيدة إدريس عليه السلام، وان فرعون ما كان إلا عربيا طاغية رجع إلى مرتع صباه، بعدما تمكن أحمس الملك الڇيبتي من استرجاع أرض الڇبتيين التي بنتْ الحضارة وشيدت الأهرامات والمعابد ليُرفع فيها اسم الراعي. ليختم بقوله إن اسم مصر أُلصِق عُنوة بأرض إيڇيبت كي يبخس حق الڇيبتين، بل مصر هي أرض سيناء، أرض التيه الإسرائيلي، أما إيڇيبت فهي أرض الإله.

ث‌. أسلوب الرواية

1. لغة الرواية:

- عربية بسيطة جميلة البناء، دون تعقيدات لغوية أو تنطع بالمصطلحات.

2. الحبكة:

- طريقة الكتابة: تشويقية سنيمائية بأغلب أحداثها.

- توفق الراوي بِحَبْك الأحداث، وجذب القارئ في تتبعها، غير ما سقط به من تطويل مملل في سرد لرواية موسى عليه السلام، وبعض الفقرات الماجنة في علاقة كاي بناديا دون ضرورة لذلك.

- سقط الكاتب عند محاولته إبداع أحداث إضافية بقصة موسى عليه السلام، فوقع بطرح خالف فيه المسلمين واليهود والنصارى، بل وخالف فيه القراءات التاريخية الحديثة.

3. زمن الرواية:

- الفصل الأول والأخير من فقرات الرواية يمر بأوائل القرن العشرين، مما دفعني إلى الاعتقاد أنه سيعتمد على الانتقال من زمن لآخر (العصر الحديث والعصر القديم) لكن سرعان ما خاب ظني، وظللتُ أسير كاي وترجمته.

- الفصول الأخرى تنتقل بين أحداث كاي التي تمر بعصر حكم البطالمة لمصر، عند حكم فيلادلفيوس 250 قبل الميلاد. وبين أحداث موسى عليه السلام عند اعتلاء فرعون الحكم واجتياح قومه لأرض إيڇيبت.

4. مكان الرواية: أرض إيڇيبت (مصر). أغلب أحداث كاي كانت تمر بالإسكندرية، ومعبد أون. أما أحداث موسى عليه السلام فكانت تتمايز بين أرض الفيروز وهوارة وغيرها.

5. شخصيات الرواية: كانت شخصيات الرواية على العموم مقنعة، غير بعد التعارض في نفسية ناديا الذي استدركه الكاتب في خلق شخصية تخيُّلية سماها بالعاهرة، ووسمها بأصل الشر عند ناديا، التي ما فتئت تنقلب حكيمة بآخر مشهد لها.

وعلى العموم رواية أحمد مراد أرض الإله، رواية تشويقية ذات حبكة لا بأس بها، ووصف جميل يجعلك ترى بعينيك الشخصيات وتُحس بأحاسيسها بل وتلمس التراب التي تطأ قدمها.

ج‌. أخيرا وليس آخرا

تقييمي للواية هو 3,5 من 5، فهي رغم كل هذا تبقى مشوقة، ويمكنك لمس أن الكاتب هدف بالأساس إلى التشويق أكثر من سرد تاريخي مُمل، رغم سقوطه ببعض الإطناب والحشو.

وأخيرا أدعو علماء الدين الإسلامي والمهتمين بالتاريخ إلى إبداء رأيهم في أحداث قصة موسى، خاصة أن الرواية قد تربعت على عرش أكثر الكتب مبيعا بدار الشروق.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق