حتى نفهم الرواية ينبغي أن نعرف " جوزيه ساراماجو" ، توجهاته السياسية و الإقتصادية و العقدية و فلسفته في الحياة عموما . ساراماجو ملحد يؤمن بالفكر الشيوعي و يرى أن الإمبراطورية المالية العالمية التي تسيطر على العالم ما هي إلا إستمرار للتحالف التاريخي بين رجال الإقطاع و الكنيسة أو بلغة العصر : النظام الرأسمالي العالمي و رجال الدين .
ماذا لو سقطت الأقنعة ؟ ما الذي يبقى ليكون هو "الأصل" إذا إختفت كل الألوان و البهارج التي تشوش على الرؤية ؟ ماذا لو وقف أفراد المجتمع واحدا واحدا أمام أنفسهم دون أي مظاهر خادعة ؟ حتى كلمة "مجتمع " ليست في الحقيقة سوى خدعة ، الدولة خدعة ، أسماءنا خدعة، إرتباطاتنا الأسرية خدعة .. ما الذي يبقى منا ؟ ما هي حقيقتنا التي ينبغي أن نتخذها أصلا ثابتا نبني عليه حياتنا و أفكارنا و معتقداتنا ؟ إنه الحب و الحب و حده . إنه الجوهر الذي إذا غاب إنعدمت الحياة . كل مؤلفات ساراماجو تسير في هذا الإتجاه . حتى "الله" لأنه غير موجود - حسبه - فهو لا يرى إلا من خلال أعين الكاهن . فإذا عمي الكاهن فإن أعين الله ستكون في عطلة !!
إختار الكاتب "العمى الأبيض" ليكون رمزا للنور و المعرفة عكس "العمى الأسود" الذي يرمز للظلام و الجهل و الليل . لأنه يريد لـ "عميانه" و لقراءه خاصة أن يفهموا و يكتشفوا و يدركوا خاصة أن "العمى الأسود" لا يأتينا بجديد لأننا كلنا تقريبا نعيشه في ساعات الليل و صار من عاداتنا. الرواية فلسفية بإمتياز رغم بساطتها لأنها ترجعنا إلى الأسئلة الفلسفية الأولية بمباحثها الثلاث : الوجود و المعرفة و القيم .
الكتاب يمكن أن تُكتب فيه مراجعة بعدد صفحات الكتاب نفسه .
أنصح بقراءته و بشدة .