ألف شمس ساطعة > مراجعات رواية ألف شمس ساطعة > مراجعة Mostafa Farahat

ألف شمس ساطعة - خالد حسيني, إيهاب عبد الحميد
تحميل الكتاب

ألف شمس ساطعة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

" إن كل ندفة ثلج هي تنهيدة تطلقها امرأة مكروبة في مكان ما في العالم ، إن كل التنهيدات تنجرف إلى السماء وتتجمع في سحابات ثم تتشظى إلى قطع ضئيلة تسقط بصمت على الناس بالأسفل "

الرواية هنا ترتكز بشكل كامل على تلك العبارة التي قالها " خالد الحسيني " ، أراد أن يستحوذ على تلك الصرخات مرة في غفلة عنها وعن السماء التي تصعد نحوها ، ويجمعها ليلقي بها كلها في هذه الرواية ، فصارت الصرخات لا تسقط على كل الناس ، بل تسقط على قراء الرواية فقط ، بالأخص الذين يشغلهم أمر أفغانستان ، لذا خرجت الرواية ممزوجة بدم الحياة النابض في عروق الكاتب النابضة والنافرة ، أحسست بسخطه وغضبه وهو يضرب بحبر قلمه ليلطخ تلك الصفحات، كما لطخت دماء شعبه من قبل جدران منازلهم .

" مريم " و " ليلى " حكايتان ، لا هما حكاية واحدة على اعتبار ما صارا إليه بعد ذلك ، الخيط الأول تمسكه " مريم " البنت الصغيرة الغضة ، التي لم يضحك لها الزمان، إلا في لقاءات عابرة تلك اللقاءات التي كان يأتي فيها " جليل " يرفعها من وسطها إلى أعلى ، تشاهده هي من موقعها تحس حينها أنها للحظات فوق تلك الأعباء الثقيلة التي تمسك بتلابيب حياتها ، هي أيضًا كانت تجد بعض الطمأنينة في لقاءات " الملا فيض الله " الذي كان عينها على الدينا التي طمحت أن تراها يومًا ، أما " نانا " فكانت بالنسبة لها الوجه الحقيقي للحياة ، الوجه المؤلم، المتقلب الذي يطوي بداخله الشقاء الذي لم تفلح كل محاولاتها أن تبدده .

الحياة لم تحب مريم ، هل لو عرفت ما أرادته " مريم " لغيرت من جفائها ولو قليلاً ، هي لم تكن تريد إلا أن يعتبرها " جليل " واحدة من أبنائه وعلى الرغم من أنها تعلم أنه حقها ، إلا أنها كانت ستقبله منه ولو على سبيل الشفقة ، لكن للأسف " جليل " لم يكن يحبها بمثل الحب الذي أحبته له ، تركها تنسرب من بين يديه مثل التراب الناعم ، كانت تصرخ فيه " لا تدعهم يفعلون بي هذا " ،لكن الحياة لا تحب مريم ، جليل لم يحب مريم ، رشيد لم يحب مريم ، الكل تخلى عنها ، وهزأ من فرص تشبثها بالحياة ، إلا ليلى وعزيزة وزلماي .

" ليلى " الخيط الآخر للرواية ، تلك التي وجدت نفسها مرة واحدة في مواجهة الحياة وجهًا لوجه ، فهي التي ولدت في نفس اليوم الذي سيطر فيه " السوفييت " على أفغانستان ، " ليلى " هي الوجه الآخر للحياة التي أرادت " مريم " أن تحياها ، فليلى ولدت في بيت فيه " بابي " مامي " ، هذا ما أرادته " مريم " ، ويالسخرية الحياة هذا ما أرادته ليلى أيضًا ، ليلى أدرات بابي المدرس الوقور الذي يقف بين طلابه ينظر إليهم نظرات من أعلى الكتف، يمسح سبورته بوقار كما لو كان يمسح ماضي لا يريد رؤيته مجددًا حتى لو كان كلامًا منمقًا ، هو يريد أن يمسحه فقط ، ليلى أرادت " مامي " التي كانت تملأ البيت حيوية ونشاطًا ، لا مامي المستدفأة ببطانية تعزلها عن العالم، ويوم أن قررت الأسرة الرحيل ، رحلوا بالفعل لكنها رحلة لا إياب فيها ، وحدها " ليلى " التي وجدت نفسها في بحر الحياة تلاطمها أمواجها وهي تحاول الصمود والبقاء .

" مريم " و" ليلى " مرة أخرى ، يلتقي هذان الخيطان ، يحاول الكاتب أن يعقد جدائل الحكاية ويشبك خيوطها ، ويجعل مصيرهما واحدًا ، لأنهما متشابهتان كثيرًا ، " مريم " تحب الحياة و" ليلى " تحب الحياة " لكنها الحياة الخالية من مرارة الفقد والوحشة ، وظلم رشيد والحكومات التي لا ترحم ، في الخلفية أيضًا هناك "طارق " التي نطّ من الماضي فجأة كما لو كان مثل الجني الذي لازم والدة مريم ، تخفى كثيرًا وظهر مرة واحدة ، هناك " عزيزة " و" وزلماي " ، " رشيد" لا يمكن أن يكون في المشهد ، لابد من عدم الإبقاء عليه لأنه سيخل بجمالية الصورة،ستبدو سخيفة جدًا ، لكن حذفه من الصورة يتطلب أمرًا صعبًا ، وهو عدم الإبقاء على واحد منهم ، تندفع " مريم " بنفس المثابرة والإقدام الذي دفعها مرة أن تنزل إلى هرات لتقابل " جليل " لكن في المرة الأولى فشلت محاولتها قوبلت بالصد والجفاء وعندما رجعت لم تجد " نانا " ، أما تلك المرة فلن ترجع ستكون حيث كانت " نانا " .

" مريم " التي عاشت عمرها كله خائفة ، في آخر خطواتها عن الدنيا وإلى مثواها الأخير ، لم تخاف ، كأن الحياة أشفقت عليها في اللحظات الأخيرة ،طوال تلك الخطوات كانت عبارات الجندي الذي رافقها الشاحنة التي تقلها إلى ساحة الإعدام تطن في أذنها ، هي عبارة قالته له أمه " الخوف أمر طبيعي ، أنه شئ لا يستدعي الخجل " ، لكنه لم يعرف أن مريم ودعت الخوف وودعت معه الخجل .

" مريم " كانت تعرف أن الحياة على الرغم من اللحظات الجميلة لم تكن منصفة ، لكنها وهي تمشي آخر عشرين خطوة في حياته ، لم يسعها إلا أن تتمنى تمنت لو رأت ليلى ثانية وتجلس معها لتناول أكواب الشاي وبقايا الحلوى ، غمرها إحساس بالسلام النفسي ، ورغم أنها كما آمنت طوال حياتها دخلت العالم من باب خاطئ ، إلا أنها تغادر الآن صديقة ورفيقة وحامية وشخصًا له وزن ، أي أنها نهاية شرية لحياة كانت بدايتها غير شرعية .

الحقيقة طوال قراءتي للرواية لم أستطع أن أمنع نفسي من تذكر " حلب " وربطها بكل ما أقرأه ،كانت تتقافز في مخيلتي، في كل كلمة أقرأها عن بيوت ومنازل تهدم وتقصف ، عن ملايين اللاجئين الذين خلفتهم الحرب ، عن الشوارع الخاوية التي تطوي تحتها رفات آلاف البشر هي بنفس المعايير التي صنفت بها تلك الرواية على أنها مأساوية ، لا تقل عنها بل تعادلها، لكن الفارق الوحيد بينهما أن " حلب " بالنسبة لي واقعًا أعية وألمسه ، إن لم يكن مشاهدة واقعية وحية ، فأنا رأيته وأراه في وجوه أم تحتضن أطفالها كما لو كانت تريد أن يكونوا آخر ما ربطها بحياة لم تلق منها إلا الصد والجفاء، ورأيته في أطفال على وجوهمم طبقات من الرماء الأبيض كأنها هي الشئ الصحيح في هذا المشهد ، رمادٌ أبيض على وجوه وقلوب بيضاء ، على وجوههم ابتسامات ساحبة منزوية في جانب الفم كأنها محاولة أخيرة للتصالح مع الحياة ، رأيته يوم أن كان الموت يتراقص في شوارع حلب على الجثث التي امتزجت بالطرق في الساحات ، وفي المفتاح الذي لم يعد يجد له بيتًا، وفي الكلمات التي يقولها اللاجئون عن حتمية العودة .

مؤملاً نفسي معهم أن أجد سوريا على تلك الصورة التي آلت إليها مدن أفغانستان بعد سني الحرب الطويلة التي طوت معها آلاف الأرواح ، والذاكرة تسعى للاحتفاط بمن رحلوا من غير أن يفعل بهم الزمن فعلته ، أقصد قبل أن يقتلعهم من حديقة الذاكرة كما تُقتلع الأعشاب من جذورها . آمل أن أرى سوريا بنفس العين التي رأت بها ليلى كابل فيما بعد ، أريد أن أسمع صفير الأبواب وهي تُحرر من الأقفال والمزاليج ، وأناسًا يزرعون الشتلات ، ويدهون البيوت القديمة ، ويحملون الطوب للبيوت الجديدة ، وأرى زهورًا زُرعت في المقذوفات الفارغة لصواريخ القصف ، كي نرى كل من رحلوا في تلك الجدران التي أعادوا طلاءها ، وفي الشتلات التي زرعوها ، وفي الوسائد والكتب والأقلام الموجودة في ضحكات الأطفال ، وفي قصائد الشعراء ،وفي الأدعية التي يتمتم بها الصغار والكبار ، لكنها موجودة بالفعل في قلب كل عائد ، حيث حقيقة العودة تسطع بوهج ألف شمس .

انتهت الرواية وما زلت أردد مع " مريم " الآية التي قالها " الملا فيض الله " ، " تبارك الذي بيده الملكُ وهو على كل شئ قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيزُ الغفورُ "

وأقول مع ليلى بلسان " صائب التبريزي " :

لا يستطيع المرء أن يحصي الأقمار التي ترتعش في أسقفها

ولا ألف الشمس الساطعة التي تختبئ خلف جدرانها

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
1 تعليقات