شوق الدرويش > مراجعات رواية شوق الدرويش > مراجعة Osama Qaffaf

شوق الدرويش - حمور زيادة
تحميل الكتاب

شوق الدرويش

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

ألسنا كلنا عبيداً؟

رواية شوق الدرويش لحمور زيادة

بين الشوق و الشوك عبودية عُمْرٍ يتمدد متثائباً بلظى الحنين و الحب ، هكذا يتفاعل حمور زيادة في روايته الثانية ( شوق الدرويش) ، مع عمق تاريخ السودان الضارب في السواد و الصوفية .

و قبل أن نغوص في بحار حمور زيادة التاريخية ، علينا أن نتحدث قليلاً عنه و عن التاريخ المصاحب للرواية ؛ حمور صحافي و مدون و قاص و روائي سوداني من مواليد أم درمان ( عاصمة المهدية و نهاية خلافتها حيث تدور أغلب أحداث الرواية ) تعرض للانتقاد و التحقيق في عام 2009 في السودان فترك البلاد حاطاً رحاله في مدينة القاهرة ، و كان قد صدر له قبل هذه الرواية مجموعتان قصصيتان (سيرة أم درمانية – 2008) و ( النوم عند قدمي جبل – 2014) و رواية ( الكونج-2010 ) . فهو إذن ليس غريباً عن أحداث الرواية مكاناً و لا صلةً ، فالرواية التي عمل عليها منذ 2011 امتصت رحيق القلب و لا بد، و حملت صوت الجدة التي أودعته سر الحكايات القديمة .

و لكن رواية كالتي بين يدي الآن من إصدار (دار العين للنشر) في طبعتها الثالثة لابد أن تستفزك لقراءة تاريخ السودان ، أو إعادة قراءته في ظل أحداث اليوم في العالم العربي . الرواية تقع في 460 صفحة من القطع المتوسط ، الغلاف الأمامي يحمل صورة للأب جوزيف اورفالدر النمساوي و راهبتين و خادمتهم عديلة في أزياء سودانية شعبية و الصورة من كتابه ( عشر سنواتٍ في الأسر في معسكر المهدي ) ، و على الغلاف نفسه تذييل تعرف منه أن الرواية فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب للعام 2014 و أنها مرشحة للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية للعام 2015 ( و رشحت للقائمة القصيرة لاحقاً) . الطباعة رديئة نوعاً ما و هناك صفحاتٌ باهتة ، الأسماء البارزة في الرواية للشخصيات حادت عن موقعها ، هناك أخطاء مطبعية عديدة و فقرٌ بتشكيل النص الصعب المعاني ، كان يجب تداركه مع تكرار الطبعات ، قص أطراف الرواية بالمجمل مهمل حتى أنك تحسبها "نسخةً مضروبة" أو مقلدة . يقدم حمور الرواية بكلمتين ( إلى التي ...) و بجملة لابن عربي ( كل شوقٍ يسكن باللقاء ، لا يعول عليه) ، و الختام أيضاً لابن عربي (شوقٌ بتحصيل الوصال يزول ، و الإشتياق مع الوصال يكون ، إن التخيل للفراق يديمه عند اللقاء . فربة مغبون من قال هون صعبة ، قلنا له ما كل صعبٍ في الوجود يهون هو صفات العشق لا من غيره . و العشق داءٌ في القلوب دفين .)- كما اختار حمور أن يَصُفّ أبيات الشعر بهذه الطريقة . أما الغلاف الخلفي للرواية فهو مقطع من حديث الحسن الجريفاوي لزوجته و حبيبته فاطمة :

"ناداني الله يا فاطمة.

أما ترين ما أصاب الدين من بلاء؟

تغير الزمان. ملئت الارض جوراً. الترك، الكفار ، بدلوا دين الله . أذلوا العباد.

ألا أستجيب لداعي الله و رسوله إذا دعاني لما يحييني ؟

سنجاهد في سبيل الله . في شأن الله.

نغزو الخرطوم . نفتح مكة . نحكم مصر .

ننشر نور الله في الأرض بعد إظلامها .

وعدُ اللهِ سيدنا المهدي عليه السلام . و ما كان الله مخلفاً وعده مهديه يا فاطمة.

واجبة علينا الهجرة. واجب علينا نصرة الله.

عجلت إليك ربي لترضى. عجلت إليك ربي لترضى.

عجلت إليك .. و تركت فاطمة ورائي ."

الإنغماس في سحر السودان ، حالة لا تخلو من التصوف الذي يحيط بكل ما في هذه البلاد البعيدة في عمق أفريقيا ، ولكننا لا بد نتساءل قبل أن نقرأ الرواية عن السودان الحالي ، فإن كان اليونان نسبوا الأحباش إلى حرقة وجوههم ، فقد سمى العرب البلاد باسم أصحاب البشرة السوداء ، فبلاد السودان ( مقابل البيضان . كما في كتاب الجاحظ فخر السودان على البيضان) ، هذه البلاد التي تحيطها بلاد عميقة التاريخ كالحبشة و مصر و اليمن أصبحت بعد انتصار محمد علي على مملكة الفونج الزرقاء في عام 1821 تابعة لبلاد مصر رسمياً و بدأت ملامحها تتشكل في حدودها الحالية .

حكم محمد علي و خلفه (لاحقاً مع الإنجليز) و نيابة عن الترك شعوب السودان باسم الدين الإسلامي ، و اضطهدوا أهل البلاد و كلفوهم ما لا يستطيعون ، في عصر غلب عليه تحرر العبيد و الشعوب . ففي مصر يطالب عرابي باسم الشعب ( وباسم الشعب حدثت مذبحة الإسكندرية 1882 التي قتل فيها 50 أجنبياً على أثر مشاجرة بين أجنبي و مصري - لتبرر الإحتلال الإنجليزي )، و في أوروبا يطالب القوميون و الاشتراكيون باسم الشعب . أما حركات الإصلاح الديني فمحمد عبده و الأفغاني في مصر أيضاً ، و مملكة صوكوتو الإسلامية غرب السودان ، و السنوسي في الجزائر و ليبيا ، و عبر البحر الوهابيون في شبه الجزيرة العربية ، كلٌ يطالب بإصلاح الدين على طريقته . كل هذا يتزامن مع التغيرات في السودان ، إذن كان للسودانيين الذين تطلعوا للحرية و إصلاح الدين أمل كبير في محمد أحمد المهدي (1843-1885) ابن جلدتهم ، أملٌ كبير مشوب بالإيمان ، إيمانهم بأن الدنيا ستخضع يوماً للعدل و أن الظلم سيموت ، و يدفنه المهدي في أرض غير هذه الأرض، و كان ما أرادوا ، و نجح المهدي في فتح الخرطوم 1885 منتصراً على هيكس و غوردون الإنجليزيين ، و نقل العاصمة إلى أم درمان ليخرج من دنس القديم إلى طهر الجديد . و توفي في نفس العام و دفن في أم درمان- و له مقام هناك - ليخلفه عبد الله التعايشي ود تورشين ، و في عهده تقع أغلب أحداث الرواية .

حكم التعايشي البلاد و كان سجن الساير و العبودية و الأسرى الأجانب و السبي و الحروب التي لا تتوقف ، مظاهر على دولة لا دولة فيها فعمت المجاعة ( مجاعة سنة ستة 1306هجرية 1888ميلادية ) و استمرت هذه الخلافة من 1885 إلى 1899، فيها حاول التعايشي أن يحتل الحبشة فنجح في قتل امبراطورها يوحنا الرابع و توقف فقد تقدم الإيطاليون إلى الحبشة ، و خسر في معركة توشكي مع مصر و قتل قائده عبد الرحمن النجومي 1889، و بعث برسائل للملوك يدعوهم إلى الإيمان بالمهدية أهمها رسالة بعثها لملكة انجلترا ، يدعون أنه قال فيها أنه سيزوجها لقائده يونس ود الدكيم ، و حصل في عهده قبل دخول الإنجليز مذابح للعصاة أشهرها ( كتلة الجعليين ) التي حصلت في المتمة عام 1897على يد محمود ود أحمد . و انتهى حكم المهدية عام 1899 بانتصار الانجليز في معركة كرري (أو أم درمان) التي عرف السودانيون فيها أن الحربة و الفرس و الشجاعة لا تضاهي مدفع المكسيم الإنجليزي ( كما ذكر ذلك ونستون تشيرتشل في كتابه حرب النهر ) و قتل الخليفة في معركة ام دبيكرات . لتنتهي الحقبة المهدية و يبدأ الحكم الثنائي الإنجليزي المصري حتى الإستقلال عام 1956 و التقسيم الأخير إلى السودان و جنوب السودان 2011 .

و الأحداث التاريخية التي ذكرتها أشار إليها تقريباً جميعها في الرواية ، فكان لا بد من ذكرها بتسلسلها الزمني ، لأن الروائي اعتمد تقنيتي الفلاش باك ، و التشظي الزمني ، و أضاف للنص الروائي تناصاً من خطابات المهدي الحقيقية ، و أبياتاً من الشعر ، و آياتٍ من القرآن الكريم ، و الكتاب المقدس ، و الشعر الشعبي ، عدا عن خطابات ثيودورا ( حواء) ، و الحوار الداخلي الذي أجراه البطلان الرئيسي بخيت منديل ، و المساعد حسن الجريفاوي ، حتى يكاد النص يتفلت من بين يديك و أنت تقرأ مشحوناً بالمشاعر، و خيط ذاكرتك يذوب ، لتلاحق الأسماء و الأحداث بين الواقع التاريخي و المخيال .

الرواية تتمحور حول قصة حبٍ بين بخيت ود منديل ؛ و هو عبد أسود حالم بالحرية من جبال غرب السودان، سُرِق و بيع في سوق النخاسة ليتناوب على اقتنائه اوروبي و تركي ، و ينتهي به الحال حراً ليحارب في جيش المهدي ، و يؤسر و يباع عبداً بعد معركة توشكي فيتركه سيده بعد فترة حراً طليقاً ، فيرجع حراً إلى أم درمان عاصمة الخلافة ، و هناك يقع في حب جارية بيضاء من سبايا المهدية من الحملة التبشيرية اليونانية ، اسمها ثيودورا أو حواء كما سماها مالكها لاحقاً ، و تقتل ثيودورا خلال محاولتها الهروب من السودان ، و يقوم بخيت بحملة طويلة خلال الرحلة بعد 7 سنوات من السجن في الساير، باللاقتصاص من الأشخاص الستة الذين تسببوا في قتلها ، فيصطدم قدره بالحسن الجريفاوي الصوفي ، الذي ترك حبه و زوجته فاطمة ليلتحق بجيش المهدي ، و ينتهي به الأمر في خدمة التاجر الإنتهازي إبراهيم ود الشواك . و ابراهيم أحد المتسببين في مقتل ثيودورا ، و يقتله بخيت ثأراً لها لكن الحسن يلحق به ، و يسمع قصته التي يقف مصيرها عند نهاية مفتوحة قبل الخرطوم بقليل فلا قائمة بخيت انتهت ( فقد بقي يونس ود جابر الذي خدع ثيودورا ) و لا الحسن عاد لفاطمة ؛ التي يبقى مصيرها مجهولاً بعد أن قتل المهدية أباها الذي لم يقبل الإيمان بالخليفة ، إن الوقوف عند الخرطوم مفتوح فلم يسلمه الحسن للقتل و لا هو تركه و لكن بخيت منديل العاشق يريد لقاء محبوبته ثيودورا .

لم أقرا رواية عربية بهذه الجودة و التعقيد التقني منذ فترة ، و لا بهذه اللغة الشعرية الجميلة ، هناك انتقاء لجمل كل شخصية تناسب عصرها و مقامها و تعليمها ، حتى الحب لم يكن حباً . فلم تكن الفتاة البيضاء المسيحية ، على قناعة تامة بأن عبداً أسود يعرف الحب ، أو يستحق أن تحبه ، فهي طوال فترة وجودها في السودان كانت تراها بلاد الهمج السود ، فكيف يعرفون الحب ؟!

إن مستويات الوعي بالشخوص في الرواية عالٍ، فكل شخصيةٍ تبحث في ثورتها على شيءٍ ما ينقصها ، لكن الشخصيات كلاسيكية في مساندة الرواية التاريخية ، فهناك الإنتهازي و المخاتل و المقاتل و المحب و الصوفي و المجرم و الديكتاتور الأوحد ، لكن أليست اللوحة السودانية انعكاساً لوعينا العربي ؟ ألم نكن نحلم بالحرية دوماً ؟ أن نكون نحن تحت قيادة الدين الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً و ظلماً ؟ لكن العدل ، ما هو العدل ؟ إن لم يكن الإنسان عدلاً كيف تكون حراً و أنت عبد في كل خطوة .

عبد للعشق و المعشوق ، عبد للرغبات ، عبد للسلطة ، و هل من قوة تحررنا إلا إخلاص العبودية للخالق ؟ و لكن العبودية تمر من خلال المهدي و الخليفة الذي طاعته واجبة بلا نقاش ، الذي لم ينقصه الإيمان ، لم تهزمه شجاعة الإنجليز ، بل هزمته مدافعهم .

"- ما من شيءٍ أحب إليّ من الشهادة

- اصبر يا ولدي فلعلك تمشي تحت راية الله ثم تحدث أمراً

- ما كنت لأحدث أمراً فيه غضب ربي

- احذر الإيمان يا ولدي فمنه ما يهلك كالكفر "

أمواج الذنوب تثقل الحسن الجريفاوي ، تزرع في قلبه الشك تحمل إليه ريح الذنب كلما تذكر الجوعى و القتلى ، لم يعد لمحبوبته فاطمة ، لم يعرف أحية أم ميتة . أصبح هائماً في عالم المادة ، ذاب في السلطة ، و ابتعد عن نقاء التصوف و لم يعد إليه .

أشفق على بخيت الذي أضناه الشوق ، لم يجد في الحرية و لا في الانتقام حرية أخرى من العشق ، لم يحسنا العبودية .

"قال بخيت:

-يا حاج انا لا أطلب إلا الراحة

قال له الحاج تاج الدين المغربي ( الذي يظن أنه نبي الله عيسى )

- يا شر دواب الأرض أنت في راحة

- أنا أسير أغلالي يا حاج!!

- من يخبر الأحمق أن العبد لا يبلغ الراحة حتى يحقق العبودية ؟ "

أين الحرية و كلنا عبيد لم نحسن العبودية ، على طول الرواية نركض وراء الصفحات نستكشف الجوع و الجهل و المرض و الجنس و الخوف ، نحن عبيد التاريخ ، نحن عبيد تاريخنا الذي يتكرر مع كل مهدي ، أصبح خيط الدم جبالاً زكمت أنف السماء ، انقطعت الصلة ، فلا عشق يغسل الذنب و لا وصال يجدد الوجد ، صلة أمة السماء مع السماء انقطعت حتى أصبحت حريتنا بيد الأجنبي نهرب إليه منا .

ألسنا كلنا عبيداً ؟

Facebook Twitter Link .
14 يوافقون
2 تعليقات