حجر الصبر > مراجعات رواية حجر الصبر > مراجعة أمل لذيذ

حجر الصبر - عتيق رحيمي, صالح الأشمر
تحميل الكتاب

حجر الصبر

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

نسمع كثيراً في البرامج التلفزيونية والإذاعية وخاصة برامج عرض الهموم عن قضية المرأة المطلقة، وقضية المرأة الأرملة ،وقضية المرأة التي لا تنجب ،وقضية المرأة التي ذريتها إناث فقط ،وقضية المرأة التي لم تتزوج ،وقضية المرأة التي تريد أن تكمل تعليمها ولكنها لا تقدر ،وقضية المرأة التي هجرها زوجها ،وقضية المرأة التي تخلى عنها أولادها ،وقضية المرأة التي تبحث عن حلول لزواجها ،وقضية المرأة التي تعلن حبها ،وقضية المرأة التي يكتشف محيطها الإجتماعي بأنها في حالة عشق ،وقضية المرأة صاحبة الأحلام المهمشة وغيرها من القضايا ،ونحن نسمع عن قضايا من هذا النوع بنسبة أقل للرجال، فهل هذه فعلاً قضايا تعاني منها المرأة أم إبتدعتها أم مجتمعها هو من أثارها أم كانت المساهمة من الطرفين،وهل الجميع يرى في هذه الأمور التي عادة ما تسمى بالمشكلات فعلاً قضايا حقيقة أم مفتعلة،ولماذا المرأة هي إرتبط ذكرها بهذه القضايا كثيراً ...هناك من ينظرون من منطلق ديني حسب زعمهم وبحجة الحفاظ على مكانة المرأة على أن الدور الأصلي لها هو الإهتمام بمنزلها،وهناك من دفعتهم التراكمات الإجتماعية من عادات وتقاليد لمعاملة المرأة بطريقة تختلف عن الرجال،فيجيزون للرجل ما لا يجيزونه للمرأة ويتقبلون منه ما لا يتقبلونه من المرأة ،وهناك من يستضعفون المرأة فيصورونها على أنها مخلوق قدراته قليلة ودليلهم على ذلك بنيتها الجسمانية وأيضاَ يجدونها سريعة البكاء وتبكي أكثر من الرجل ،وهناك من يدعون بأنهم على قدر كبير من الإنفتاح في دعمها مع أن مواقفهم قد لا تعكس واقعهم،ففي الواقع قد يكون منهم من يختار زوجة أقل منه في التعليم أو الوظيفة أو حتى يفضل ألا تعمل أو لا يرضى بأن تلتحق أخته بالجامعة،إنها قضايا المرأة مع تعقيبات المختلفين حولها!

كتاب (حجر الصبر) للأديب عتيق رحيمي هو كتاب مهدى للمرأة متمثلة في الشاعرة التي توفيت على يد زوجها وكل النساء ، وعن المرأة ،وبطلة حكايته إمرأة والكلمات التي غطت صفحاته كانت من قلب وعقل إمرأة،ففيه قصة إمرأة بسيطة في تعليمها وفي إمكانياتها المادية وعاشت في أفغانستان في وسط ظروف الحرب الصعبة،هي كانت إمرأة معنفة من قبل أبيها ومضطهدة من قبل زوجها،زوجها الذي سيقت إليه وكأنها بلا إرادة،ومع كل ذلك فهي تشرح مفهوم شرف المرأة وبإنه لا يختزل في جسدها،في أول الحكاية نستمع إلى إمرأة تبدو محتسبة إلى ربها فيما أصاب زوجها،فزوجها الذي قاتل كثيراً من رأهم أعداء الله وحينما أصيب الطلقة النارية التي أدت إلى غيبوبته،كانت تلك الطلقة من قوه ولدوافع ملمحها ثأري،هو ترك زوجته بلا مال وأهله لم يقوموا بمساعدتها ،فكانت المعيل له ولطفلتيها،هي تظهر لنا مع المسبحة التي في يدها وهي تردد إسم من أسماء الله ،وكانت في كل يوم تذكر إسماً مختلفاً من أسماء الله حتى يتحقق شفاء زوجها ويفيق من غيوبته،هي كانت تؤمن بذلك،هي صارت تنظم أحداث يومها على عدد التسبيحات ،مواعيد يومها ..صلواتها ..من سيزورهم ..دقا قلبها ...آمالها...هي كانت تتأمل قسمات وجهه،هي كات تيد منه أن يقوم بأي رد فعل ولو كان ضئيل،هي كانت تنصت إلى أنفاسه،هي إبتغته أن يعود لها ،ومن ثم كانت تستغرب من عدم وفاته والطلقة لم تغادر جسده،ومن ثم تحس بالتعب وتشع بالإرهاق، وتعاتبه على إشتراكه في القتال وعلى عدم وجوده معها ،ومن بعدها تعود لطقوس تسبيحاتها وغسل زوجها وتنظيفه ومداواته،ومع الوقت تكونت لديها عادات في مجالسة زوجها،وهذه العادات كان الثابت فيها بالإضافة إلى العناية بجسده كان الإستعانة بالأذكار الدينية وكانت كالبندول في ذلك في بعض الأحيان ،فكانت تحس بالإستنزاف حيناَ ثم تتعوذ من ذلك وتواصل الدعاء والتسبيح والصلاة،أما العنصر الثالث المستمر وكذلك المتصاعد فكان تحاورها مع زوجها،وهذا التحاور لم يكن عادياً وليس فقط لإنه إشتمل على ناطق واحد،ففي هذا التحاور كانت في كل مرة تزيد من جرعة الصدح بالأسرار،هي أسرار جهلها زوجها ،زوجها الذي سنعرف بإنه كان كالغريب في حياتها أو ربما هي التي كانت الغريبة في حياته،هو كان يعرف عنها فقط ما يراه،كانت تجعله يتجرع الإستماع إلى هذه الأسرار وهي بسخرية تامة ترجو أن توقظه هذه الأسرار،هي أسرار تؤرق رجولة أي زوج يدري عنها وهي كانت تعدد له ما كتمته وتقسو عليه كما كان يقسو عليه ،هي قامت بكل ذلك وتمادت في تقليب أسرارها أمامه وهي غير متأكدة إن كان يصغي أم لا،والأسرار منها أسرار تتعلق بوالدها وطفولتها وأختها وعمتها المغيبة،هي أفشت بعض ما عندها لوالدها وأكدت بأن هذا أراحها،هي صارت تفضفض وكأن لا شيء تبقى لتخسره ،حكت لزوجها عن صبي الحي ،حكت له عن إتهامها بالعقم ،حكت له عن الكابوس الذي أهلكها،حكت له عن اللغز أوالحكاية التي أوجد لها حلاً عمها،هي أيضاً أخبرته وأخبرتنا كيف تعاملت مع أم زوجها ومع المقاتلين الذين يزعمون التدين،هي من قتلت الكلمات لتحكي أسرارها وحكاياتها،هي حكت ما لم تحكي من قبل لتنتهي حكاياتها بدمعة حروفها!

الأسلوب الذي إتبعه الكاتب في تسطير هذه الحكاية النسائية والمجتمعية كان متمرساً في التصوير،فإعادة عبارات الوتيرة اليومية للبطلة كون ما هو أشبه بالتناغم الصوري،فالكاتب أكد عمق المرارة التي أحست بها المرأة و وحدتها ،وأيضاً كان يجعلنا نسترجع في كل مرة يقوم فيها بذلك بالإحتدام الذي نشأ بين ما تم تلقينه للبطلة في صغرها وبين ما أذاقته إياه الحياة من أصعب التجارب،وترتيب التفاصيل الذي أتى به الأديب كان يسرب لنا ما في ذاكرة البطلة ومجتمعها وكذلك ذاكرة الحروب،وهذا التسريب كانت مواقيته متراصة بما يوضح ما كان يجري للنساء في أفغانستان،والرواية تميزت بإنغماسها في عالم الحكايات الشعبية الأفغانية،وهذا الإنغماس ظهر في ذكر حجر الصبروما يحمله من رمزية والموروثات الدينيةو الأغاني والأحجية الأسطورية وإيرادها في الرواية كان جميلاً للتعرف على النسيج الثقافي الأفغاني وكذلك لإستخلاص حكم حياتية مثرية منها...

كتاب (حجر الصبر) للأديب عتيق رحيمي،تثير هذا التساؤل :إلى أي مدى نحن على إستعداد لسماع الحقيقة؟!

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
2 تعليقات