حسناً .. أنهيت الرواية منذ فترة لا بأس بها ثم نحيتها جانباً لأحس بأثرها البعيد على نفسي بعد تذوق الأثر القريب لأنني احترت بأمرها
و الأثر القريب كان مطابقاً لما أحسه القراء جميعاً من وجعٍ و قهرٍ و استغراب لحق بتفاصيل فاجعة
هذا الكم الهائل من قصص التعذيب تصيب أي شخص بذاك الإكتئاب الذي يصحب هذا النوع من الروايات , و بالتأكيد سيزداد تعاطفه تلقائياً مع المنسيين في ظلمات السجون و يرتفع منسوب الإنسانية لديه و تتدعم فكرة أن الإنسان يجب أن تُحترم حقوقه "كمخلوق على الأقل" و إن كان مخطئاً ..
لكن الأثر البعيد للرواية مختلف قليلاً , فالآن إذا ما سألني شخص ما عن مضمون الرواية سأقول : وصف دقيق للتعذيب الجسدي و سرد حقائق عن المعتقلات ليس إلا , و ما هكذا تكون الرواية حتى و إن كانت من أدب السجون
فالأدب هو محاولة للسرد الغير العادي أو بطريقة مختلفة عن السرد المتداول بين الناس و في شاشات التلفزة و غيرها
أنا شخصياً سمعت بقصص أثقل و أكثر فجيعة مما رواه الكاتب فكيف أحس بالاختلاف ؟
و غير هذا و ذاك هنالك صدع واضح في الانتقال بين الفقرات بالذات في الخمسين صفحة الأولى للرواية , فمثلاً أشعر بالاستغراب حين ينتقل الكاتب من وصف "حفلة تعذيب" مباشرة إلى خاطرة رقيقة و هذا مُربك للتركيز الذهني و العاطفي , أحسست أحياناً و كأن النصوص في بعض الصفحات قد قُصت و لُصقت بجانب بعضها مما جعلني أفكر بأن هنالك خلل في الربط , و مما لاحظته أن هذه المشكلة قد بدأت تخف كلما مضيت قدماً في القراءة ..
و أيضاً لم يخض الكاتب في "التعذيب النفسي" بمعناه الحقيقي كثيراً , ما خاض به هو المشاعر "السطحية" إن جاز وصفها بذلك , أي تقريباً لا يوجد تعمق بأثر التعذيب و الإذلال على شخصية السجين و نفسيته , أي أن الرواية و بنسبة 90% وصف للتعذيب الجسدي للأسف
لكن هذا لا يعني أن ما من إيجابيات لنسيج الرواية , أحببت كثيراً أسلوب الكاتب الذي تميز بقوته و جزالته و قدرته الهائلة على الوصف و التأثير بالقارئ , و أصلاً كتابة نوع كهذا من الروايات تحتاج لشخص استثنائي فائق القدرة على الخوض في غياهب السجون و قصصها لاستخلاص ما يوثق الجرائم التي تحدث داخلها ..
و على أمل أن أقرأ ما هو أشد حبكة من ذلك للدكتور أيمن العتوم .