ماجدولين > اقتباسات من رواية ماجدولين > اقتباس

مَضَى الليلُ إِلَّا أقلَّه ، ولم يبقَ إلا أَنْ تنفرجَ لِمَّةُ الظلامِ عن جَبِينِ الفَجْر ، ولا أزالَ ساهرًا قلقَ المضْجَع ، أطلبُ الراحةَ فلا أجدها ، وأهتف بالغمض فلا أعرفُ السبيلَ إليه .

إِنَّ إدوار يسخرُ مني في كِتَابِهِ ويهزأُ بي ، ويُنذرني بيومٍ أرى فيه أَوْهَامًا كاذبةً وأحلامًا باطلة ما كنتُ أحسبه أمانِيَ وآمالًا ، ويرى أن جميع ما أُقَدِّرُهُ لنفسي من سعادةٍ في الحياة وهناءٍ أشبه شيء بالخيالات الشعرية التي يسعد الشعراء بتصوّرها ، ولا يسعدون بوجودها ؛ فلئن كان حقًّا ما يقول فَمَا أَمَرَّ طعم العيش، وما أظلمَ وجه الحياة .

لا لا ، إن الذي غرس في قلبي هذه الآمالَ الحِسَانَ لا يعجزُ عن أن يتعهدها بِلُطْفِهِ وعنايته حتى تَخْرُجَ ثمارها ، وتتلألأ أَزْهَارُهَا ، وإن الذي أَنْبَتَ في جناحَيَّ هذه القَوَادِمَ والخَوافِيَ لا يرضى أن يَهيضَنِي ويتركني في مكاني كسيرًا لا أنهض ولا أطير ، وإن الذي سلبني كُلَّ ما يأملُ الآمِلُون في هذه الحياةِ من سرور وغِبطة ، ولم يُبْقِ لي منها إلَّا حَلاوةَ الأمَلِ وَلَذَّتَهُ لأَجَلُّ من أن يقسوَ عليَّ القسوةَ كلها فيسلبني تلك الثُّمالَةَ الباقية التي هي مِلاكُ عيشي ، وقوامُ حياتي.

على أنني ما ذهبتُ بعيدًا ، ولا طلبتُ مستحيلًا ، فكل ما أطمع فيه من جَمالِ هذا العالم وزُخْرُفِهِ رفِيقٌ آنَسُ بِقُرْبِهِ وَجِوَارِهِ، وأَجِدُ لذةَ العيش في الكَوْنِ معه ، والسكونِ إليه، وما الرجال كما يقولون إلَّا أنصافٌ ماثِلَةٌ تطلبُ أَنْصَافَهَا الأخرى بين مخادِعِ النساء ، فلا يزال الرجلُ يشعر في نفسه بذلك النقص الذي كان يشعر به آدم قبل أن تتغير صورةُ ضلعِهِ الأيسر حتى يعثر بالمرأة التي خُلِقَتْ له فيقرَّ قراره ، ويُلْقِي عصاه .

وبعد ، فأيُّ مقدورٍ من المقدوراتِ تضيقُ به قوّة اللَّه وحكمته؟ وأيُّ عقلٍ من العقول الإنسانية يستطيع أن يُبْدِعَ في تَصَوُّرَاتِهِ وتخيُّلاته الذهنية فوق ما تُبدع يَدُ القُدْرَةِ في مصنوعاتها وآثارها ؟ وهل الصُّوَرُ والخيالات التي تمتلئ بها أذهاننا وتموج بها عقولنا إلَّا رسومٌ ضئيلة لحقائق هذا الكون وبدائعه ، ولو أن سامعًا سمعَ وَصْفَ منظرِ الشمسِ عند طلوعها، أو مهبط الليل عند نزوله ، أو جمال غابة من الغابات، او شموخ جبلٍ من الأجبال ، ثم رأَى بعد ذلك عِيانًا ما كان يراه تصوُّرًا وخيالًا ، لَعَلِمَ أن جمالَ الكائنات فوق جمالِ التصوّرات ، وحقائق الموجودات فوق هواتِفِ الخيالات ؛ لذلك أعتقدُ أني ما تخيلتُ هذه السعادة التي أُقَدِّرُهَا لنفسي إلا لأنها كائنٌ من الكائنات الموجودة ، وأنها آتية لا ريب فيها.

إن اليوم الذي أشعر فيه بخيبة آمالي ، وانقطاع حبل رجائي، يجب أن يكون آخر يوم من أيام حياتي ، فلا خَيْرَ في حياةٍ يحياها المرء بغير قلب ، ولا خير في قلب يخفقُ بغير حب .

مشاركة من المغربية ، من كتاب

ماجدولين

هذا الاقتباس من رواية