انحراف حاد > اقتباسات من رواية انحراف حاد > اقتباس

لا تذكر "سوسن" من طفولتها غير هذه اللحظة الصَّاعقة، عندما انفلتت من أبيها في زحام ساحق، تحوطها عماليق النَّاس، يدفعونها في سيرهم إلى المجهول، وصوت بكائها يضيع في جهير صاخب لا تفهمه.

وعندما تعبت من البكاء جلست في مكان استطاعت أن ترى منه مئذنة مسجد تستطيل إلى علِّيين، وشعرت بثقل يتمدَّد في رأسها، فتمدَّدت على الأرض ونامت.

ولمَّا استيقظت كان الظَّلام قد لوَّن السماء، والصَّخب صار أشد قسوة، والزِّحام فتَّاكًا، وهي وحيدة، تائهة، فلم يكن أمامها سوى اللجوء إلى الحل الذي تعرفه كطفلة، أن تبكي بحرقة.

تتذكَّر أن امرأة متوسِّطة العمر، اتَّشحت بالسَّواد، ربتت كتفها، وقالت لها إن أباها لا بد يبحث عنها، وإن أفضل مكان يجب أن تتواجد فيه الآن هو الباب الكبير لمسجد سيدنا "الحسين"، وأمسكت بيدها، وقادتها في الزِّحام إلى زقاق بالغ الضِّيق، ودخلت بها إلى منزل قديم، حيث غرفة معتمة، بدَّلت لها ملابسها وهي تتكلَّم بحنان، ثم نكشت لها شعرها، ولطَّخت وجهها بشيء لم تعرفه، قبل أن تخرج بها مرة أخرى إلى الزِّحام، تخترقه إلى الباب الكبير لمسجد سيدنا "الحسين".

مشاركة من المغربية ، من كتاب

انحراف حاد

هذا الاقتباس من رواية