في ظلال القرآن > اقتباسات من كتاب في ظلال القرآن > اقتباس

* مقدمة سورة البقرة * ص28

هذه السورة تضم عدة موضوعات ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة واستقبالهم لها ومواجهتهم لرسولها ص وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها ; وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها ونقضهم لعهد الله بخصوصها وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام صاحب الحنيفية الأولى وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين

---

ولقد سبق الاتجاه إلى يثرب لتكون قاعدة للدعوة الجديدة عدة اتجاهات سبقها الاتجاه إلى الحبشة حيث هاجر إليها كثير من المؤمنين الأوائل والقول بأنهم هاجروا إليها لمجرد النجاة بأنفسهم لا يستند إلى قرائن قوية فلو كان الأمر كذلك لهاجر إذن أقل الناس جاها وقوة ومنعة من المسلمين غير أن الأمر كان على الضد من هذا فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يهاجروا إنما هاجر رجال ذوو عصبيات لهم من عصبيتهم في بيئة قبلية ما يعصمهم من الأذى ويحميهم من الفتنة ; وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين منهم جعفر بن أبي طالب وأبوه وفتيان بني هاشم معه هم الذين كانوا يحمون النبي ص ومنهم الزبير بن العوام وعبد الرحمن ابن عوف وأبو سلمة المخزومي وعثمان بن عفان الأموي وغيرهم وهاجرت نساء كذلك من أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى لينالهن أبدا وربما كان وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريش ; وأبناؤها الكرام المكرمون يهاجرون بعقيدتهم فرارا من الجاهلية تاركين وراءهم كل وشائج القربى في بيئة قبلية تهزها هذه الهجرة على هذا النحو هزا عنيفا ; وبخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان زعيم الجاهلية وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبها ولكن مثل هذه الأسباب لا ينفي احتمال أن تكون الهجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث عن قاعدة حرة أو آمنة على الأقل للدعوة الجديدة وبخاصة حين نضيف إلى هذا الاستنتاج ما ورد عن إسلام نجاشي الحبشة ذلك الإسلام الذي لم يمنعه من إشهاره نهائيا إلا ثورة البطارقة عليه كما ورد في روايات صحيحة كذلك يبدو اتجاه الرسول ص إلى الطائف محاولة أخرى لإيجاد قاعدة حرة أو آمنة على الأقل للدعوة وهي محاولة لم تكلل بالنجاح لأن كبراء ثقيف استقبلوا رسول الله ص أسوأ استقبال وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم يرجمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين ولم يتركوه حتى آوى إلى حائط أي حديقة لعتبة وشيبة إبني ربيعة وهناك انطلق لسانه بذلك الدعاء الخالص العميق

---

وسنجد في أول السورة وصفا مطولا لهؤلاء المنافقين ندرك من بعض فقراته أن المعني بهم في الغالب هم أولئك الكبراء الذين أرغموا على التظاهر بالإسلام ولم ينسوا بعد ترفعهم على جماهير الناس وتسمية هذه الجماهير بالسفهاء على طريقة العلية المتكبرين

وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين الذين في قلوبهم مرض نجد إشارة إلى شياطينهم والظاهر من سياق السورة ومن سياق الأحداث في السيرة أنها تعني اليهود الذين تضمنت السورة حملات شديدة عليهم فيما بعد

فإذا انتهى السياق من عرض هذه الصور الثلاث دعا الناس الناس جميعا إلى الصورة الأولى وناداهم

مشاركة من Amr ، من كتاب

في ظلال القرآن

هذا الاقتباس من كتاب

في ظلال القرآن - سيد قطب

في ظلال القرآن

تأليف (تأليف) 4.7
أبلغوني عند توفره