فيض الخاطر - الجزء الثاني > اقتباسات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الثاني > اقتباس

أليس عجيبًا أن يفتح المسلمون بلاد الدنيا ثم لا يقول الشعراء في ذلك شيئًا يذكر؟ أو ليس عجيبًا أن يكتسح التتار العالم الإسلامي، ثم لا يقولون في ذلك أيضًا شيئًا له قيمة؟ ثم تأتي الحروب الصليبية، وتكون عجبًا من العجب، وتستمر السنين تلو السنين، وتكون ملعبًا للعواطف، وتتوالى فيها الأحداث تذيب القلوب وتصهر النفوس، ثم يتحول أكثر ما قيل فيها إلى مدح الملوك الفاتحين أو المنتصرين، ولا يقال إلا القليل في المعنى السامي المجرد عن الأشخاص؟ وكل ما يلتمس من التعليل الصحيح أن يقال: إن الجاهليين لم يقولوا شعرًا في هذه المعاني فلم يقل في ذلك من بعدهم!أليس من السخرية ومما يستوجب الحسرة والأسى أن يترك الشعراء هذه المواقف كلها وأمثالها مما يقع سمعهم وبصرهم، فلا يحركهم إلا «قفا نبك» و«مال الغبيط»، فإن جددوا في شيء فأن يكون الممدوح سيف الدولة بدل الغساسنة، وأن يكون المادح المتنبي بدل الأعشى؟

لا. لا. اللهم إن هذا منكر لا يرضيك. وهذه جناية قتلت الأدب العربي ووقفته أكثر من ألف سنة حيث كان، والزمن سائر والعالم متغير!

هل في ذوقنا الآن أن نبدأ الشعر في حادثة اجتماعية بالغزل؟ وهل في ذوقنا نحن الآن أن نملأ الشعر بأماكن البادية ومياه البادية وجبال البادية وأودية البادية؟ وهل في ذوقنا نحن الآن أن نتغنى برائحة العرار والخزامي، وأن نرعى الشيح والقيصوم؟ لا شيء من ذلك،

ولكنه التقليد المخجل والحرية المفقودة. أليس مما يستوجب الهزؤ والسخرية أن يكون تقسيم البارودي للشعر في القرن العشرين هو تقسيم أبي تمام للشعر في القرن الثالث؟!

هذا الاقتباس من كتاب