اقتباسات من كتاب نقد القوة : رسائل فلسفية إلى الضعفاء

القوة التي لا تدرك حدودها سرعان ما تُدمر نفسها بنفسها. غير أنّ من طبيعة القوّة ألّا تُدرك حدودها طالما أنها عمياء بطبعها.

شبَّه شوبنهاور طاقة الحياة بزيت المصباح الذي كلّما اشتدّ اشتعاله ازداد استنزافه وفرغت طاقته بسرعة. يعني ذلك أن عليك ألّا تشعل قنديلك إلّا بالقدر المناسب للجهد المطلوب تبعًا للموقف. على أنّ لحظات الاشتعال الشّديد والاستنزاف السريع هي لحظات الغضب الجامح والإنهاك الشديد، لحظات التشنج، والتوتر، والعناد، والتعصب، والتشدُّد، وما إلى ذلك، وأن ذلك كله يصيبُ عقلك وجسدك في الآن نفسه، طالما هما الشيء نفسه.

المهمة شاقة ومنهكة إلى درجة أنك قد تحتاج إلى فترات ترتاح فيها من إنسانيتك، فترات من الهمجية والنهم والصراخ والعويل، فترات من التشنج الهستيري، فترات من الشطح والجذبة والهذيان، فترات من التوحش عبر استيهامات قد تبدو مبدعة، وقد تبدو مجرد فلتات خطرة.

سأخوض معركة تفادي الخسارة كل يوم: تفادي الجوع، والمرض، وحوادث السير، والفراق، والفقد، وفخاخ الإغراءات اللاقانونية، وكل ما من شأنه المساس بالحرية والكرامة والحياة.

إذا لم تمتلك شجاعة الحياة ستخسر كل قضاياك، حتى ولو امتلكت شجاعة الرأي أو الصراخ.

حين تقاتل من أجل بقائك، نمائك، أو حلم من أحلامك، فلا تقاتل بتشنّج، لا تقاتل انطلاقًا مما هو متوحش فيك، بل قاتل بمرونة وذكاء، قاتل انطلاقًا مما هو إنسانيّ فيك.

‫ لا يحتاج الإنسان إلى ما يقاتله، فبوسعه أن يقاتل أي شيء، لكنه يحتاج إلى سبب للقتال، يحتاج إلى غاية مُثلى تغطي على فظائع القتال، يحتاج إلى ما يقاتل من أجله: الله، الدين، القبلية، الوطن، الاشتراكية، الديمقراطية، الحق التاريخي… إلخ، إلّا أن المعادلة مقلوبة، والفهم مقلوب، حيث الغاية المُعلنة هنا مجرد ذريعة للغاية الحقيقية، والتي هي القتال.

لكي تخرج من الزجاجة عليك أن تتكيّف مع عنقها، مهما ضاق العنق، ومهما ضاقت الزجاجة.

التشنج الجسدي يتسبّب في التمزق العضلي.

‫ الجمود العاطفي يتسبّب في الاكتئاب.

‫ التعصب العقائدي يتسبّب بالفتن.

لا شيء يصمد بسبب صلابته. الصلب ينكسر واللين يعيش.

وكيف أن الطيور التي تحلق بكل رِقّة ورشاقة في زرقة السماء، أصلها ديناصورات تخلت عن صلابتها لكي تتكيّف من أجل البقاء، أما الديناصورات التي تمسكت بصلابتها فقد انقرضت بلا أسى،

فكل خيار نهائي يقتل الإبداع، الإبداع يحتاج إلى القدرة على اختراق المألوف وليس التمسّك به.

حين تكون القلوب قوية بالفعل، وبما يكفي لكي تتحمّل ضربات الحياة، فلا يعني ذلك أنها صارت قاسيّة، بل العكس تمامًا، إنها أبعد ما يكون عن القسوة. ذلك أنّ قساة القلوب هم الأكثر جبنًا في مواجهة نوائب الدّهر، الأكثر عجزًا في مواجهة تقلبات الزمن، والأكثر قابلية للانكسار أمام تجارب الخيبة والفقدان. بالمقابل، تمتلك القلوب المرهفة والرحيمة من شجاعة العيش ما لا تمتلكه القلوب القاسيّة.

الحبّ الذي يشعر بالقوة الدائمة، والأمان على الدوام، هو حبّ لا يدوم.

‫ لذلك يحتاج الحبُّ إلى أن يتعرّض للخطر بين الفينة والأخرى، فيما يُشبه صعقات الإنعاش، طالما من طبيعة الرغبة أن تنتفي بعد تحقّقها، فلا تنتعش إلّا تحت التهديد بالخسران.

‫ إن كانت لحظات الانكسار في الحياة تحتاج إلى الحب فإن تجربة الحب تحتاج بدورها إلى أن تتخللها لحظات من الانكسار، ذلك أن الحب يحتاج فعلا إلى جرعات يومية من الضعف لكي ينتعش، يحتاج إلى أوقات من التّهديد والهشاشة واستشعار الضعف أمام مخاطر الفقد والهجران.

العيش بالقوة وفي أجواء القوة منهك لكل من يريد أن يعيش بالفعل، وذلك مهما بلغت مشاعر القوة لديه، لذلك يحتاج الإنسان إلى لحظات من التخفُّف من ثقل القوة، لحظات من الضُّعف الطوعي بين أحضان إنسان آخر… الكل يحتاج إلى الحب، ففيه الطاقة الأكبر، وهوبلسَم للآلام.

‫ دع ضعفك يرسم لك طريقك.

❞ ⁠‫العيش بالقوة وفي أجواء القوة منهك لكل من يريد أن يعيش بالفعل، وذلك مهما بلغت مشاعر القوة لديه، لذلك يحتاج الإنسان إلى لحظات من التخفُّف من ثقل القوة ❝

❞ العيش بالقوة وفي أجواء القوة منهك لكل من يريد أن يعيش بالفعل، ❝

❞ عقب الحرب العالمية الثانية حُرمت اليابان وألمانيا من القوة العسكرية، فجاءت قوتهما الاقتصادية كتعويض عن الحرمان. ❝