مجموعة قصصيّة متميزة،
لم يخيّب مينا هاني ظني، بعد خمس سنوات من روايته الأولى الجميلة والناجحة "مقام غيابك" يطل علينا بمجموعة قصصية، وهو في البداية رهان صعب، ولكن قدرة الكاتب على التقاط التفاصيل وبناء عالم يخصه وحده كانت متوافرة، بل إنني أزعم أنها برزت أكثر في هذه القصص المختلفة، التي راوح فيها بين الواقع والفانتازيا، وبين المستقبل والحاضر، وبقيت لغته الشاعرية التي أحب حاضرة في كثيرٍ من القصص، وبين عدد من التفاصيل.
(أنت سرى انا.. سرى الذى اخبئه فى قلبى.. واحمله معى فى الشوارع والمترو والكليات، وبين طرقات البيت و قطارات الصعيد.. انا اخفيتك عن الهمس.. لئلا يأتى احد ويذكرك بسوء.. انا من يدافع عنك امام لسان الغريب، وفى مجالس الجاهلين.. طهرتك عن العالمين.. ورفعتك درجات فوق بعضها.. لأنى احبتتك بالحق..وكللت جبينك بالورود ..)
سبع قصص تنتقل بين رصد الواقع ومافيه من تحديات وعقبات وسوداوية، وبين رؤى المستقبل، التي لا يرى مينا أنها تبشر بأي قدرٍ ولو بسيط من الأمل! فالاغتراب الذي يعيشه أبطال العصر الحاضر بانهزاماته وتحدياته سيواجهه الآخرون في المستقبل رغم ما قد يصلون إليه من تطور ظاهري في التكنولوجيا والتقنيات.
أعجبني أن تطوف قصص المجموعة بين عددٍ من الأفكار، وألا تقتصر على مرحلة زمنية معينة، ولا أبطال من عمر واحد، بل استطاع أن يتمثل الرجل الكبير الذي يرى انهيار عالمه من حوله ببراعة في قصة "صائد أسماك الزينة"، وأن يعبّر بذكاء عن الإنسان الآلي وسيطرته على الحياة في قصة "جالا"، كما تحضر الحروب وتداعياتها في "ثمن الخبز"، بل إن بعض القصص تبدو وكأنها نواة لعالم روائي متكامل يبدو خلفها، مثلما نرى بوضوح في قصة "وهج"
مجموعة قصصية متميزة، وكاتب يؤكد مع كل خطوة امتلاكه لأدواته، لازلت أنتظر منه الكثير.