اقتباسات من كتاب أربع محاولات للحياة

على الورق الشخصيات واضحة، عارية أمامنا بكل تناقضاتها واحتمالاتها، نرى مقدمات الأفعال فنعرف خواتيمها، أما في الواقع فنرى مقدمات الأفعال فنأمل ونتعاطف وننكر كل ما يشير إليه المنطق.

وفي النهاية أعترف أن الكتابة هي الستار الذي أختبئ وراءه بأريحية شديدة لأحيا الحياة التي أحلم بها، وأجوب الطرقات الممنوع عليّ وطؤها، وهي الأداة الوحيدة القادرة على أن تصنع مني بطلة في كل أنواع الحيوات، وأنا المرأة التي لا تكفيها حياة واحدة ، المرأة التي تحلم أن تحيا ألف حياة ، و تعيش ألف جنون .

أتذكر الآن العجوز الفرنسي في كل محاولة للعبور عبر عالم الكتابة كفعل عجيب وقادر على التحكم في مكابح حافلة العمر ماشيًا بخفة على وتر مشدود من المحبة والجمال أمسك بالقلم كعصاة اتزان ترعبني فكرة السقوط في أمواج تهدر تحت الحبل المشدود اسمها الكتابة السيئة.

الكتابة. ذلك الفعل مُلغز الرهافة الحدث الأهم في حياة مَن تدفعهم الملائكة، أو ربما الشياطين، في طريق الألم بخفة باعثة على الحنين تكتب كأغنية مُحملة بالذكريات والأمنيات تقرر الجلوس للوضعية التي تجعلك قادرًا على الشدو وحيدًا تبدأ التجربة كلعبة مُسلية . تصنع خلالها عوالم و أبطالًا و أحداثًا . و ببطء تغوص قدماك في وحل الخيال المُربك .

أجمل ما في الكتابة أنه يمكننا ببساطة طيّ السنوات بكل ما تحمله، وأن نختزل عُمرًا في كلمتين.

الحب نور الباحثين عن المؤانسة في الليالي الطويلة.

ما تأكدت منه أنه ليس شرطًا أن يكون الحنين لذكرى مررتُ بها، بل مواساة وتذكِرة خفيفة للروح بجمال نادر مر بها، أو ربما مناغشة لطيفة من حيوات أخرى، فتنطلق الأنغام داخلنا وترق المشاعر ويشتعل الدفء، نسبح في غنيمة كونية تتلألأ كالماسات، تمامًا كمداعبة الشمس الحانية لوجهي على سرير جدتي .

وما الحنين إلا كائن رقيق، عميق، شديد الوجع، صرتُ أتقن الهروب منه كلما لاح لي ولو من بعيد، أعترف أنني صِرتُ أخافه بحق!

الحنين إنساني للغاية. مُربك وودود وقاسٍ ومُتلعثم كطفل باكٍ سريع الابتسام. مَن ترك نفسه لناره هالك لا محالة. ومَن أشاح بقلبه عنه هالك أيضا لا محالة. وبين هذه وتلك لحظات يملؤها الحنين بالدموع والضحكات على ما مضى.

والحنين على كل ما فيه من جمال لا يشبه سوى شجرة الصبار؛ غجرية وعفيَّة وضنينة في أزهارها لها كل عام وردة وحيدة شديدة الجمال قصيرة العمر لا يحتاج سوى لماء الندى على قِلَّته لكنه نبات قادر على البقاء كأنه مخلوق من خلود. أشواكه تُدمي القلب كي يشعر بأنه ما زال ممتلئًا بالدماء و الدموع .

الحنين حارس قلبك الحنون لكل الذي لم تعُد تملكه.

❞ تُداعبني الشمس بنعومة لأفتح عينيَّ، تطل عليَّ بنصف وجه ذهبي، ضاحك، من بين ضلفتَي الشيش «المتشنكل»، فأصحو بسعادة وأتقافز على فراش جدتي، تغمرني أشعتها الدافئة، وذرات الغبار اللامعة السابحة فيها؛ كمَاساتٍ صغيرة في غنيمة صباحية، فأشعر بلُطف وسخاء الكون.

صباحات لا أنساها من طفولتي، لم أكن أعلم أنها ستتلون بدفء الحنين وتلازمني طوال عمري. ❝

‏

الحنين إنساني للغاية. مُربك وودود وقاسٍ ومُتلعثم كطفل باكٍ سريع الابتسام. مَن ترك نفسه لناره هالك لا محالة.

الحنين.. ويا ويل مساكين البشر من الحنين. عطر الذاكرة المشبع باللهفة إلى الأحبة الراحلين. الأغنيات القديمة التي تصيب القلب برعشة مُفاجئة. مُهلكة العاشق وطوق نجاته. أسطورة الحالم ونوره

تشعر مع العزلة بأنك ملك تفاصيل مملكة حياتك مسموح لك بالبكاء أو الضحك ما شئت أنت بعيد عن العيون وعن الأحكام المسبقة تمارس ذوقك الخاص بلا مراعاة لصورتك في المرآة حتى تصبح أنت مرآة ذاتك وفارس أحلامك لا خجل في العزلة ولا محاولة لإرضاء أحد.

وما الحنين إلا كائن رقيق، عميق، شديد الوجع، صرتُ أتقن الهروب منه كلما لاح لي ولو من بعيد، أعترف أنني صِرتُ أخافه بحق!

الدكتور محمد المخزنجي: النص جائزة الكاتب وأقول لنفسي: كم أنت محظوظ بمرور الرجل في حياتك، فيهدأ من شقاء القلب ثلثه، وأبتسم لنفسي ثلث ابتسامة مستحقة ‫ يشعلني الحنين في هذه الليلة الطويلة يطهو قلبي ببطء على نار الذكريات فأستحضر منظرًا جانبيًا لوجهه المكدود.

حدثني طويلًا عن الزمن الذي رحل وعن مدينتنا عن منصورة أخرى تربت الغزلانُ في حدائق فِيللها التي اختفت عن مقابر الخواجات المُزينة بالرخام الإيطالي عن لاعبي السيرك الذين صاحبهم في طفولته عن شاويش السجن الطيب في محبسه بعد مظاهرات يناير .

توافق الأرواح النصي كما أسميه، فهو الذي يجعلك تُفضل أسلوب كاتب أو عمل عن غيره لأنه تماسّ مع وروحك ووصل للقلب ‫ دائمًا ما أؤمن أن النص الجميل هو الذي يخطف نظرك ويسير بك بسلاسة حتى يستقر المعنى في قلبك،

علمتني القراءة أن أُقدّر الآخرين بما لديهم من إنسانية، وخبرات حياتية وقِيَم وعلم وثقافة ووعي وفهم، لا بما يلبسونه أو يمتطونه أو يسكنونه، وإنه لأمر لو تعلمون عظيم إنها القراءة التي أحببتها ولم أحب قبلها شيئًا، وستبقى في قلبي .