الكلمة من أجل الإنسان > مراجعات كتاب الكلمة من أجل الإنسان

مراجعات كتاب الكلمة من أجل الإنسان

ماذا كان رأي القرّاء بكتاب الكلمة من أجل الإنسان؟ اقرأ مراجعات الكتاب أو أضف مراجعتك الخاصة.

الكلمة من أجل الإنسان - عبد الله خليفة
تحميل الكتاب

الكلمة من أجل الإنسان

تأليف (تأليف) 5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم



مراجعات

كن أول من يراجع الكتاب

  • لا يوجد صوره
    0

    نحن نصف أنفسنا من خلال تصرفات لا ندري معناها.

    سلمى العمراوي ♡

    Facebook Twitter Link .
    1 يوافقون
    1 تعليقات
  • لا يوجد صوره
    0

    الكاتبَ والمثقّف البحرينيّ الكبير عبدالله خليفة، بعد مسيرة طويلة شاقّة ومضنية وحافلة بالعطاء والتنوير، وإنتاجات دافقة وعميقة وثريّة ومتنوّعة في الفكر والفلسفة والأدب خلّفها وراءه لتشهد بآثاره التي حفرها في ذاكرة الوطن بترابه ونخيله وبحره وهوائه وشخوصه وتاريخه التليد والطارف، لقد توسّل عبدالله خليفة بالكتابة لِتقوم -كما أشار في تعقيباته النقديّة التي بعثها إليّ عبر بريدي الإلكتروني- «بالانغراس في جذور الأرض لأنّ كلّ يوم هو لحظة ألم وأمل»، ولكلِّ لحظة مضمون، وكلّما كان المثقّف ممتلكًا أدوات التعبير عن هذه اللّحظة، ومتمكِّنًا من الإفصاح عمّا تحتويه كان إنتاجه الكتابيّ أقدر على مقاومة الفناء والتّلاشي، وأجدر بتسجيل جوهر اللّحظة وتجلية خصوصيّتها.

    والناظر في تجربة الكتابة الروائيّة عند عبدالله خليفة يلاحظ تراكم النصوص وانتظام صدورها؛ ليكون بذلك أغزر كتّاب الرواية في البحرين إنتاجًا، وأشدّهم حرصًا على ممارسة فعل الكتابة؛ لإيمانه بأنّ «الكتابة تنمو فوق الأرض الحقيقيّة، تسحب الصواري من عند البحارة الذين غطّسوهم موتى وهياكلَ خاليةً من المعنى في قعر الخليج، فتغدو الروايةُ الكبيرة المخطّطة في الرأس رواياتٍ عديدة»، تزخر بما يزخر به الواقع من صغير الشؤون وعظيمها، ذلك أنّ روايات عبدالله كلَّها مشدودة إلى الواقع شدًّا وملتصقة بالحياة التصاقًا، تكشفُ ما يمور به المجتمع من قضايا ومعضلات، وتعمدُ إلى فهم حركة التاريخ، ومظاهر تطوّره، وما ينعكس فيه من تجاذبات وصراعات وتغيّرات ثقافيّة واجتماعيّة وإيديولوجيّة وسياسيّة، وتنظرُ في بنية المجتمع، وتنشغلُ بمحرّكات التاريخ؛ لتقتنعَ بالتّصوّر الاشتراكيّ الذي ينتصر لمقام الكادحين والعمّال. فقد صرفت الروايات اهتمامها إليهم، وأخذتنا إلى الفلاحين يكدحون في حقول ملتهبة، والغوّاصين يجوبون بحارًا قصيّة، ويركبون الأهوال والآلام من أجل الكفاف والعفاف، ورحلت بنا إلى المصنع حيث العمّال «مندفعون في تيّار الحديد والنار والهواء البارد واللاهب»، وتنقّلت بنا بين القرية والمدينة، والماضي والحاضر، والأنا والآخر، وفتحت لنا المجال للنّظر في علاقة الإنسان بالمكان والتاريخ والتحوّلات الفكريّة والاجتماعيّة، وصلته بمصيره والسلطة.

    لقد أبرزت تجربة عبدالله خليفة الروائيّة المتمثِّلة في (اللآلئ 1981، والهيرات 1983، وأغنية الماء والنار 1989، والينابيع بأجزائها الثلاثة 2012) واقع الفئات الشعبيّة المغمورة، واستفاضت في نقل همومها وأحلامها؛ فعدل الكاتب إلى تصوير فضاءات المهمّشين حيث الشخصيّات الموسومة بالعجز والضياع والتأزّم تكتوي بنار الخصاصة والشّقاء والحرمان، وتنزوي في بيوت من سعف النّخيل، وأحياء فقيرة تقطنها المستنقعات، ويقرضها البعوض، ويأتي فضاء البحر، في أغلب هذه الروايات، ليسحق أجساد الغوّاصين في مهنة الغوص، وفيها يتعملق النوخذه النهم الذي لا يشبع، ومع رواية «الينابيع» يتحوّل الغوّاصون من فضاء البحر إلى فضاء الجبل ليستعبد وجودهم المستعمِر الأجنبيّ مسخِّرًا إيّاهم في التنقيب عن النفط، داعمًا عوامل الطبقيّة والتبعيّة له، مثبتًا مركزيّته، وبذا يدور الكادحون بين ماضيهم وحاضرهم في فلك علاقة إقطاعيّة طاغية تجسّد مرارة معاناتهم، وشدّة وطأة الحياة عليهم.

    يتحوّل الكاتب في روايات أخرى ليصوّر مآلات هذا الواقع المأزوم على الذات الإنسانيّة، ففي رواية (الأقلف 2002) نرى بطلَها (يحيى) تدفعه العيشة المستلبة، والحياة الصاغرة، والظلم الغاشم من قبل المجتمع إلى الانزواء والشعور بالخواء والدونيّة، فيتلقّفه الأجنبي المتمثّل في (ميري) ويدغدغ مشاعره، ويغذّي غرائزه، ويغريه بالحلم، ويفتح له باب العلم. لتفترس (يحيى) المشرّد أسئلة لا يحار لها جوابًا: الوطن أم الاستعمار؟ الشرق أم الغرب؟ الإسلام أم المسيحيّة؟ إنّها أسئلة تبثّ ما تجيش به نفسُ (يحيى) وكثيرٌ من شخصيّات عبدالله خليفة من خطاب إيديولوجيّ لاهج بالاحتجاج على مجتمعٍ عنصريّ يميّز بين بني البشر، وواقعٍ مريض يكبّل الإنسان، ويهدر كرامته، وينسف بناءه السّامي، ويفقده حسّ الانتماء؛ ليكون أداة طيّعة في يد الغريب، وينغمس في أهوائه ونزواته.

    وتعدّ روايات عبدالله خليفة من أبرز الروايات التي جسّمت ما ينخر المجتمع من عاهات تُفكِّك لُحمته، وتخرم وحدته، وتفضي به إلى تعطيل حركة التقدّم وعجلة التغيير المنشود. ففي رواية (القرصان والمدينة 1982) يتبدّى لنا كيف تُخان الثورة عندما يُسلَّم قِيادُها إلى العدوّ، وبذا يفرّط الخائن بالأرض رمز الحقّ التّاريخي والهويّة والحريّة والشّرف والكرامة، ولعلّ صورة الخائن هذه وما يلازمها من عوامل الخلل، ومظاهر الشين لا تباين صورة المثقّف الانتهازي الذي يتزلّف إلى السلطة طامعًا في الصّيت والمال والحظوة، وهو ما جسّدته شخصيّة (ياسين) في رواية (التماثيل 2007 .( غير أنّ رواية (ذهب مع النفط 2010) تعكس سعي الكاتب إلى تجاوز صورة المثقّف تلك بأخرى أكثر نضجًا وحرّيّة تعمد إلى تنوير الشعب، وتغذية مكامن القوّة والفعل فيه بحثًا عن أفق وجود أفضل.

    كما تكشف رواية (ساعة ظهور الأرواح ( 2004. الكثير من عورات المجتمع، بأسلوب تتداعى فيه الحدود بين الواقعيّ والعجائبيّ، بما يفضح عبثيّة الواقع ولا معقوليّته؛ إذ يمارس الكثير من شخوصها وعلى رأسهم (يوسف) ألوانًا شتّى من الاستغلال والتنكيل ليتحوّل بذلك إلى إقطاعيّ كبير له أعوانه وأجهزته، ولا تتردّد العديد من شخصيّات الرواية في الانخراط في هذا الدرب بالتواطؤ مع (يوسف) وأمثاله من أجل الإبقاء على ثرائها والمحافظة على وجودها وسيطرتها ونفوذها، وأبرز مَن يمثّل هذ النموذج الشيخ (درويش) الذي استمات في البحث عن الكنز المفقود مستترًا بعباءة الدين لتحقيق مآربه الشخصيّة، وهي أبعاد انطوت عليها رواية (اغتصاب كوكب 2014) التي عرّت تصرّفات بعض المتديّنين، وجلّت الصراع بينهم وبين بعض المتنوّرين، ووقفت على اتّساع الهوّة بينهم في المجال الفكريّ والعقائديّ؛ بما يعكس تمزّق العرب، وقصور وعيهم عن استيعاب التاريخ وتحوّلاته، وتعويلهم على رؤى غيرهم في تقرير مصيرهم وضبط المسار الصحيح لواقعهم وشخصيّاتهم.

    وإذا التفتنا إلى الروايات التاريخيّة التي أنجزها الكاتب مثل (رأس الحسين 2006، عمر بن الخطّاب شهيدًا 2007، عليّ بن أبي طالب شهيدًا 2008، عثمان بن عفّان شهيدًا 2008، محمّد ثائرًا 2009) تبيّن لنا ضخامة الجهود التي بذلها للتّصدّي لشخصيّات إسلاميّة عظيمة. وفي تأكيد ذلك يقول: «إنّ كتابة الرواية التاريخيّة عمليّة صعبة، ليس بسبب الدخول لتجسيد الصراع الاجتماعيّ في ذلك الزمن التأسيسيّ المقدّس للأمم الإسلاميّة، بل كذلك بسبب تصوير ما هو ملموس من أشياء ومناخات وأمكن .« وهذا هو ما دعاه إلى رصد مسيرات تلك الشخصيّات، وسبر أغوارها، والمقارنة بينها وبين غيرها من شخصيّات التاريخيّة في الرواية، والنّفاذ إلى توضيح أوضاع الحكم في عهدها، والتغلغل إلى أسباب الصراع، وتبيّن مسؤوليّة الخاصّة والعامّة؛ ويأتي كلّ ذلك من أجل استغلال أفق تاريخيّ زاخر ومزدحم بالوقائع والخلافات والصّراعات على مختلف الصُعُد، وهو لا ينفكّ يتكرّر في الزّمن الرّاهن، وبذا يتحوّل التّاريخيُّ إلى جدليٍّ يعدل إلى مساءلة الواقع الاجتماعيّ والسّياسيّ، ويدعو إلى التأمّل مليًّا في قضايا إنسانيّة جوهريّة.

    لقد كانت السياسة، وتداعياتها على الواقع الاجتماعيّ والثقافيّ، هي الشاغل الأبرز في تجربة عبدالله خليفة الروائيّة، ومن هنا هيمنت على عوالمه الإبداعيّة لينخرط أدبه ضمن الأدب النضاليّ الملتزم بقضايا مجتمعه، وقضايا الإنسان عامّة، بغية العمل على تحريره من كلّ أشكال القهر والاعتساف والاستلاب والظلم، وتحديد الشروط الكفيلة بتأسيس مجتمع منشود ينهض على الحريّة والعدالة والمساواة. وممّا يجدر توضيحه هنا أنّ عبدالله خليفة أصدر بعض الأعمال الفكريّة والفلسفيّة والنقديّة في فترة تتزامن مع إصداراته الروائيّة، الأمر الذي يكشف نهوض الممارسة الروائيّة لديه على خلفيّة نظريّة يصدر عنها في إبداعه الروائيّ؛ وقد ترتّب على ذلك عمق استيعابه إشكالات الواقع، والمنابع التي تنهل منها، وسهّل عليه المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، وأَمْكَنه من تنويع الأساليب والبنى السرديّة وأنساق الخطاب ومستويات اللّغة، وجميع ذلك يجعل تجربته الروائيّة تتميّز بوعي نقديّ بفعل الكتابة شروطًا وأدوات وآفاقًا.

    الرؤية الفكريّة والفنيّة لأدب عبدالله خليفة

    – أولاً: الإنسان قضيّة جوهريّة:

    إنّ أوّل ما يسترعي الانتباه في الإبداع القصصيّ والروائيّ لعبد الله خليفة هو ذلك الحضور المكثّف للإنسان البحرينيّ بصفة خاصّة، والإنسان العربيّ بصفة عامّة، والإنسان الكونيّ بصفة أكثرَ شموليّة. إذ ينطلق المبدع من عالمه الخاصّ عبر مساءلة الواقع الذي ينتمي إليه، والبحث في مظاهر تهافته، وآثار تحوّلاته؛ ومن هنا تتحوّل الذات إلى مرآة تعكس وجوهًا من الواقع، وتكشف معاناة ذات جماعيّة تمثّلها الفئات المقهورة والمعذَّبة، جاعلاً منها مادّة للحكي، ومعطًى لبلورة الوعي، فلم يكن عبدالله خليفة في أيّ عمل من أعماله، على تعدّد أصواتها، واختلاف أنماط صوغها الفنيّ، بعيدًا عن ذاته، ولم يكن بعيدًا عن مجتمعه ووطنه، ولم يكن بعيدًا عن جوهره الممتدّ في بعده الإنسانيّ. لقد كان، وهو يكتب تجربته العميقة، يُطْلِق العِنان لفكره الغزير، وأحاسيسه الصادقة، وحواسّه كافّة لتسبر غور هذا العمق أينما كان، والجمال حيث تبدّى، والقبح أنّى تخفّى، مازجًا الكلّ في طين المتخيَّل. فالذات الإنسانيّة هي التي يسعى الروائيّ إلى التأكيد على استحضارها عبر الشخصيّات المتخيَّلة، من ناحية، وعبر تقمّص الرواة أدوارها الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة من ناحية ثانية، وعبر التوصيف الإثنوغرافي من ناحية ثالثة.

    على هذا النحو تتحدّد الرؤية الأولى للمتخيَّل الروائيّ لعبدالله خليفة، فهو قبل كلّ شيء رواية للإنسان المرجعيّ في نضاله اليوميّ، وصراعه الدراميّ المحتدم ضدّ العوائق والمعضلات التي تهدِّد كيانه الإنسانيّ. وكأنّ الراحل سخّر موهبته ورؤاه لخدمة تلك القضايا التي تشكّل الرأسمال الرمزيّ للإنسان. وبالانطلاق من موقفه المسؤول والملتزم كان يعي تمامًا أنّ أيّ إبداع تحيد رسالته عن هذا المغزى سيكون مصيرُه الذبول؛ لأنّ الإنسان هو المقياس لكلّ شيء، وهو الغاية من كلّ شيء، وهو الصانع لمصيره، وهو المسؤول عنه، وبهذا المعنى يغدو السرد أحد مكوّنات الهويّة الإنسانيّة.

    – ثانيًا: العالم المتخيّل عند عبدالله خليفة:

    إنّ أهمّ ما يسم عالم خليفة الروائيّ، تبعًا للمكوّنات السرديّة، ما يأتي:

    1- اللّغة السرديّة:

    يوظّف خليفة لغة أشبه ما تكون بالتقريريّة التي تقترب من لغة الخطاب اليوميّ، ولكنّها تسمو عن الابتذال، فهى أقرب ما تكون إلى لغة وسطى بين الفصحى والمحكيّة (اللّغة الثالثة). تحسّ معها أنّ الشخصيّات هي التي تتكلّم وليس الكاتب، فهذا الأخير يتنازل، ما أمكن لرواته وشخصيّاته، من أجل أن تبتكر لها لغة خاصّة ووظيفيّة، تكون فيها الجملة على مقاس الفكرة. وتلك هي لغة السرد التي تصل إلى المتلقّي بسلاسة لا يحتاج معها إلى جهد فكريّ. ويمكن للقرّاء، على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم، تقبّلها وفهمها دون عوائق أو متطلَّبات، وهذا ممّا يوسّع من مقروئيّة النصوص.

    2- الرؤية السرديّة:

    تُعَدُّ مسألة الرؤية من المسائل الضّروريّة في فهم عناصر العالم القصصيّ، وأبعاده الدّلاليّة الفنيّة؛ إذ إنّ أحداث هذا العالم القصصيّ لا يمكن أن تتبدّى في صورتها التّخييليّة إلا من خلال مبئِّر ينهض بتقديم المادّة الحكائيّة. وقد تبنّى عبد الله خليفة المنظور السرديّ التقليديّ في الرؤية، حيث يعتمد الرؤية من الخلف فهي تتيح للراوي حضورًا دائمًا إلى جانب الشّخصيّات، وتكفل له معرفة متعالية إزاء جميع ما يقع من أحداث، وحريّة واسعة في كيفيّات تركيب الوقائع، وطرائق تقديم الشّخصيّات. ورواة خليفة وإن تظاهروا في تضاعيف النصوص باستعمال أنماط متعدّدة من الرؤى السرديّة؛ فإنّها لا تعدو، متى نظرنا في إخراجهم لها، أن تنضوي تحت رؤية أكثرَ اتّساعًا هي رؤية الراوي العليم. ويكشف ذلك عن تعامل رواة خليفة مع الأحداث والشّخصيّات تعاملاً فيه الكثير من التّصرّف والانحياز بحسب غاياتهم، وزوايا نظرهم.

    وفي الحقيقة لا يخلو هذا التصرّف والانحياز من غايات ومقاصد تجعل رؤية الرّاوي الخياليّ تشاطر رؤية كاتب متعالٍ يقلّب نظره في الأحداث انطلاقًا من اعتقاداته وتصوّراته الإيديولوجيّة ذات التوجّه الماركسيّ الذي يصدر عنه؛ فيلتقط ما يؤكّد رؤيته، وينتصر لمذهبه، ويكشف ما يخالفه من آراء، فيقف منها موقفًا مضادًّا؛ وبذا تعدّدت وجوه حضور الراوي- الكاتب في الروايات بين راوٍ مناوئ ومناكف لوجهة نظر الشّخصيّة، وراوٍ متعاطف ومتآلف مع رؤيتها، وراوٍ ساخر ومتهكّم منها، وراوٍ متظاهر بالموضوعيّة ومتنكّب عن نسبة ما يروي إليه مفسحاً للشّخصيّة مجال التّعبير والتّأثير. ويأتي هذا التعدّد في الرؤى والمواقف لتشييد رؤية الكاتب واختياره الفكريّ، ومذهبه الإيديولوجيّ المحرّض دائمًا ضدّ الطبقيّة، والداعي أبدًا إلى الحرّيّة والمساواة والعدالة الاجتماعيّة.

    3- الشخصيّة الروائيّة:

    يستلهم عبدالله خليفة شخصيّاته من الواقع البحرينيّ، لا سيّما تلك التي تعيش على هامش الحياة تكابد أشكال الفقر والظلم والقمع، وتعكس تفاصيل طويلة وممتدّة من حكايات البؤس والعسر والكفاح. هذه الشخصيّات تعيّن بأسماء وقد تقترن بألقاب منتزعة من البيئة البحرينيّة. واختيار أسماء الشخصيّات أو نحتها لا يأتي عفويًّا، وإنّما يلبّي مقاصد اجتماعيّة وثقافيّة تساهم في إرساء المعنى الرمزيّ للتجربة، فضلاً عن دلالاتها النصيّة المرتبطة بالرؤية العامّة للمحكيّ. كما تتّسم تلك الشخصيّات بأوصاف فيزيولوجيّة وثقافيّة تعكس مرجعيّة لصيقة بالواقع. وأغلبها يلبس زيّ الإنسان البحرينيّ بما يتناسب وبيئته المحليّة وتحوّلات واقعه. ولسانه ينطق بلغة الشعب في بساطتها وعفويّتها، ومخزونه اللّغوي التراثيّ في رمزيّته وإيحاءاته. فتحسّ بأنّ هذه الشخصيّات الورقيّة تعيش معك بلحمها ودمها، تتألّم، وتصرخ، وتحتجّ، وتغنّي، وتضحك، وتكافح في سبيل لقمة العيش، وتنكفئ على ذاتها في مونولوجات صاخبة، أو تحلم وتقاوم وتناضل من أجل واقع أفضل من الراهن. وكلُّ ذلك يدرجها في نطاق خطاب إيديولوجيّ يتجاوز السّياق الذّاتيّ، ومجاله الشّخصيّة، إلى سياق الواقع بإشكالاته وتحوّلاته.

    4 - الفضاء الروائيّ:

    إنّ الفضاءات الواردة في روايات عبدالله خليفة تعزّز حضور الميثاق المرجعيّ بشكل واضح. فرواته لا يبتكرون أفضية وأمكنة وأزمنة هلاميّة من محض الخيال الشخصيّ، بل إنّهم ينزلون إلى الواقع الفعليّ لتقف الشخصيّات في أمكنة بحرينيّة مدنًا كانت أو قرًى، بأكواخها المبعثرة الصغيرة، وبيوتها البسيطة، وأسواقها ودكاكينها ومقاهيها وأزقّتها الضيّقة ونوافذها وأبوابها وسقوفها وحمامها السارح وغنمها ودجاجها وأطفالها وفتياتها ونسائها ورجالها وسفنها وأشرعتها، وكلّ ما يلامس طبيعتها الساحليّة أو الزراعيّة، وما يتّصل بكلّ بيئة من أوضاع اقتصاديّة واجتماعيّة وذاتيّة وثقافيّة وفكريّة وسياسيّة، وما يرتبط بتاريخها العبق، وملامح التطوّر فيها. وهذا يعني أنّه لا وجود، في روايات خليفة، للنقل الحرفيّ للمكان الجغرافيّ أو العمرانيّ بطريقة تصويريّة فوتوغرافيّة، بل النقل الذي يَخضع إلى التذويب، لتنبصم طبيعة المكان على الشخصيّة الإنسانيّة، وتفرض عليها منطِقًا في التعامل، وميزة في الصفات الفيزيولوجيّة، وإيقاعًا واختلافًا على مستوى اللّغة، وعلى مستوى الحركة، وأيضًا على مستوى طبيعة التفكير، ونمط العيش. وكلُّ ذلك يؤدّي دورًا وظيفيًّا على الأحداث والشخصيّات، ويتماشى وسيرورة التصوير الفنّيّ، وما يتولّد عنه من تفاعلات وصراعات، وبالتالي يفتح باب التأويل والتحليل بما يعكس تصوّرًا معيّنًا، ورؤية للعالم، وأفقًا لصوغ متجدّد، ويرفع التصوّر القرائيّ من عتبة التخييل إلى عتبة الترميز، ومن الإبداعيّ إلى الإثنوغرافي إلى الأنثروبولوجيّ.

    5- الأحداث مسبارًا لرؤية فكريّة:

    تتركز الأحداث، في روايات عبدالله خليفة، على تلك التي تعتني بتصوير أزمة الفرد والمجتمع، وتلتقط كلَّ ما يعكس طموحاتهما وإحباطاتهما، وهو ما يمنحها أهميّتها وثقلها المرجعيّ، ويكشف تجربةً مطبوعة وعميقة دُفِنت في أغوار الكاتب، ويحاول بعثها من جديد في عالمه الرّوائي متخطّيًا الحيّزَ الذاتيّ إلى الواقع لمحاورة ما ينطوي عليه من إشكالات وتحوّلات أو مجادلتها والاعتراض عليها. ومن أجل هذه الغاية غالبًا ما ينيط الكاتب بمفوَّضِه الخياليّ الرّاوي مداخل السّرد ومخارجه، فلا تخرج الأحداث عن ترتيبه ومعرفته ورؤيته وموقفه، وإن كان ذلك على حساب حدود السّرد ومحظوراته.

    والجدير بالذكر هنا أنّ بناء الأحداث وفق السيرورة المؤدّية إلى الحبكة، لا تأتي بشكل اعتباطيّ، بل هي جزء من تصوّر إيديولوجيّ وطرح معرفيّ نقديّ يتبنّاه الكاتب في إطار مشروعه الثقافيّ ورؤيته الفكريّة ورسالته الفنّيّة، وجميع هذه الأطر يتبنّاها الكاتب بقوّة الفعل، فهو مثقّف تنويريّ، وأديب ملتزم، وناقد فذّ، ومشارك فاعل في كثير من التحوّلات السياسيّة والثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة والأدبيّة، ومنخرط باليوميّ وما ينضح به من أسئلة وموضوعات، ومتحرّر من حدود ذاته الضيّقة، ومقترب من الجماهير، وواقف على همومها وتطلّعاتها، ومؤمن بضرورة التغيير نحو الأفضل. وكلّ ذلك يكفل لتجربته الروائيّة جاذبيّة إضافية تكتسب من ورائها مقروئيّة واسعة، وتستفزّ القرّاء إلى تبنّي رؤية أكثر اتّساعًا تنشط معها قوى الوعي والفعل.

    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
1
المؤلف
كل المؤلفون