اقتباسات من كتاب قد لا يبقى أحد - أغاثا كريستي... تعالي أقل لك كيف أعيش

أن تصبح لاجئاً يعني أن تصبح مذعوراً، أن تصبح منبوذاً، أن تصبح رهين ذاكرتك وذكرياتك وحنينك، ومهما حاولت قمع مشاعرك وحاولت التركيز على طريق حياتك والأفق الذي يلوح أمامك وما يلحّ عليك من واجبات حياتيّة، فإنّك لن تتحرّر من سطوة ذعرك الداخليّ.

يتلاعب الإعلام بالعقول، يضخّم حوادث صغيرة حين يسلّط الأضواء عليها، يبقيها تحت مجهر المعالجة والمقاربة والتحليل والتفكيك موحياً بأنّها عظمى القضايا في هذه الفترة أو تلك، ثمّ ينتقل للتغذّي على حكايات وأخبار بعينها كلّ مرّة. يرسم الإعلام للناس طريقة تفكير ويحدّد مسارات التحرّك ويقترح حلولاً أو سيناريوهات المقاربة.

قد يقول بعضهم إنّ المصالح تقود الحكومات والأنظمة، لكن في مقابل ذلك، هل تتحوّل تلك الحكومات للتفكير بذهنيّة العصابات لتؤمّن مصالح بعينها، وهل ينطبق على كثير من الحكومات توصيف بعضهم بأنّها عصابات نظاميّة تتقنّع بأردية القوانين التي تقوم بنفسها بصناعتها وإقرارها بما يتناسب مع مصالحها ونفوذها؟

هل تنعكس الأحداث التي تعصف بالعالم الحديث على الثقافة بطريقة مباشرة أم أنها تحتاج إلى وقت كي تتبلور وتنضج ومن ثم يتم تظهيرها في قوالب فنية أو ثقافية أو إبداعية؟ هل بهذا المعنى تكون الثقافة تابعة للاقتصاد والسياسة ومقتفية تأثيراتها التي تخلفها في مجمل تفاصيل الحياة؟ هل يمكننا القول إن الثقافة بهذا المعنى تخلت عن الدور الذي يفترض أن يكون رياديّاً لصالح تبعية لا تناسب طبيعتها الإنسانية؟

الحرب التي تنقل كرتها الناريّة المتدحرجة من بلد لآخر، تعثر دوماً على ذرائع مقنعة لمختلف أطرافها بوجوب الاستمرار فيها حتّى تحقيق نصرهم المتخيّل، الذي يكون نكسة تاريخيّة على البلد وأهله.

وحدهم البائسون الفاقدون الثقة بأنفسهم وحقوقهم يستجدون اعترافاً وإقراراً من الآخرين الذين يجاهدون لإبقائهم أتباعاً لهم، ويتعاملون معهم بمنطق الوصاية والغدر.

وحدهم البائسون الفاقدون الثقة بأنفسهم وحقوقهم يستجدون اعترافاً وإقراراً من الآخرين الذين يجاهدون لإبقائهم أتباعاً لهم، ويتعاملون معهم بمنطق الوصاية والغدر.

لا أشكّ في أنّ صاحب الحقّ لا ينتظر اعترافاً من أحد بحقّه، بل ينتزعه، ويمضي إلى غده من دون أن يولي أيّ اعتبار لما سيطاله من اتّهامات وتشكيكات.

أدين لحسن دريعي بأنّه ساعدني كثيراً في تحريري من خوفي من اقتحام عالم الكتابة. ظلّ يؤكّد لي أنّ الكتابة هي سبيلنا الوحيد لحياة لائقة بنا. كانت تجربة معاونتي له في كتابه المهمّ «عامودا تحترق» مدخلاً لتقوية دفاعاتي النفسيّة والتخفيف من سطوة الخوف عليّ.

الطريق إلى عالم الرواية مفعم بالحكايات والغرائب والجماليات، الطريق إلى مسرح الرواية لا يقلّ إمتاعاً عن قراءة الرواية، فهنا الحياة والرواية تلتقيان، المغامرة والتاريخ يتداخلان، الأسطورة والملحمة تتصدّران صفحة السماء وتتبادلان أدوار البطولة في رحلتنا نحو الجمال، وبين الجمال.

حين يحقد امرؤ على آخر، وحين يسكن روحه بالكراهية اللعينة، يغدو مرتهناً للقلق والتوتّر، يفكّر في سبل الإيقاع بمَن يعدّهم أعداء له، يوقف مخطّطاته لتعكير حياتهم والانتقام لنفسه منهم، ينشغل بوسائل الشرّ ويقع في فخّ الأشرار الذين يخرجونه عن طوره ويغيّرون مسار حياته، يضعونه في مواجتهم ليكون انعكاساً لتشوّههم، ولا يستطيع التخلّص من هذا القيد إلّا بالتسامي على جراحه، ومحاولة التناسي، أو إهمال الجرح وإفساح المجال للزمن كي يداويه. صحيح أنّ الزمن خير دواء وعلاج، خير مداوٍ ومعالج.

كلّ البلاد مَنافٍ بعد أن تهجر بلدك. هذه حقيقة يشعر بها اللاجئ في كلّ لحظة، لكن يبقى التحدّي بالنسبة إليه، هو كيف يحوّل المنافي إلى أوطان، بعد أن تحوّلت الأوطان إلى منافٍ؟!

المخيّم كسجن كبير، كثيراً ما يحاول اللاجئ الأقدم أن يصبح مرجعاً لللاجئ الجديد الوافد، يخبره بما سيترتّب عليه القيام به، ويخبره بطريقة سير الإجراءات، وروتين المخيّم، ومن ثمّ يحكي له عن أشخاص سبقوه من بلده، وبعض حكاياتهم، وأين تمّ فرزهم ونقلهم، ثمّ يتحدّث كأنّه خبير في شؤون البلاد واللاجئين، في الوقت الذي يكون فيه على العتبات ليخطو خطوته الأولى بعد المخيّم باتّجاه الحياة الجديدة.

المخيّم كسجن كبير، كثيراً ما يحاول اللاجئ الأقدم أن يصبح مرجعاً لللاجئ الجديد الوافد، يخبره بما سيترتّب عليه القيام به، ويخبره بطريقة سير الإجراءات، وروتين المخيّم، ومن ثمّ يحكي له عن أشخاص سبقوه من بلده، وبعض حكاياتهم، وأين تمّ فرزهم ونقلهم، ثمّ يتحدّث كأنّه خبير في شؤون البلاد واللاجئين، في الوقت الذي يكون فيه على العتبات ليخطو خطوته الأولى بعد المخيّم باتّجاه الحياة الجديدة.

كلّ اللاجئين تقودهم أحلام مشتركة، تتقاطع في رغبة الحصول على ملاذ آمن يمكّنهم من استكمال حياتهم بعيداً عن الموت المجّانيّ في بلادهم.

كلّ اللاجئين تقودهم أحلام مشتركة، تتقاطع في رغبة الحصول على ملاذ آمن يمكّنهم من استكمال حياتهم بعيداً عن الموت المجّانيّ في بلادهم.

هل اللاجئ مهاجر؟ هل هو منفيّ؟ هل هو مغترب؟ هل هو مقيم لفترة مؤقّتة لحين انجلاء الأوضاع في بلاده؟ يقع اللاجئ في إشكالية تعريف نفسه، وتقديم صفته لنفسه ولمن حوله، فإن كان مهاجراً فإنّ المهجر لن يصبح وطناً، ولن يحلّ محلّه، وإن ظلّ لاجئاً فإنّه يبقي حواجز بينه وبين محيطه، وعالمه الجديد، ويظلّ على مسافة، يتأخّر في الاندماج وربّما لا يسعى إليه.

تتعدّد سبل اللجوء وأساليبها، وتكون الغاية واحدة، وهي الوصول إلى برّ الأمان، بعد عناء طويل، والاكتواء بجحيم الموت بأكثر من صيغة.

لحظات السعادة هي فواصل الحياة اللغوية، علامات الترقيم التي تهندس سيل الكلمات وفوضاها المتناسلة وترتّب إيقاع الحبكة الدراميّة المتصاعدة الدائرة حول نفسها في بحيرة الروتين والتكرار والتبلّد.

في الحقيقة أنا لست سعيداً. وحين أقول إنّني لست سعيداً فهذا لا يعني أنّني حزين أو مكتئب. أنا أمضي راكضاً في دوّامة الحياة والزمن. أمرّ بمحطّات سريعة خاطفة من السعادة النسبيّة، وبدروب طويلة من حالات أقرب للتبلّد، عبر الغرق في تفاصيل الحياة وروتينها الذي لا يفسح أيّ مجال للتفكير في سعادة أو حزن. تفقد المشاعر جماليّاتها تباعاً. يكاد الحياد يسود، فأجد نفسي متورّطاً في تجنّب الغوص في أعماقي ومساءلة نفسي عن حقيقة مشاعري تجاه حياتي وواقعي وماضيّ.