اسم الكتاب: الموت عمل شاق
اسم الكاتب: خالد خليفة
عدد الصفحات : 150
للموت فلسفة تختلف باختلاف المكان والزمان قد يكون مريحاً وقد يكون عمل شاق، نعم قد يكون الموت عملاً شاقاً في ظل ظروف سياسية قاسية وفصائل متناحرة مع النظام كما في سوريا خلال الثورة السورية، أحياناً نتساءل هل حقاً أنه عمل شاق أم أنه رحمة لمن ينال الموت منه، لمن يجد مكاناً يدفن فيه وهو معروف الهوية وليس رقماً ليس معروفاً لا يعلم أهله عنه شيء.
يدور زمن الرواية بعد اندلاع الثورة السورية وانقسام البلاد تحت حكم الفصائل والنظام الحاكم وانتشار الموت بين سكان سوريا والتهجير والقتل والخطف والتعذيب حتى أنه لا تعلم لم تموت أو لم تختطف أو تعذب. ولكن الموت غير كل ما تعرضوا له فهو الذي يساوي بين الاغنياء والفقراء ولكن هل الكل يدفن كما يليق به قد تدفن جثة كاملة وقد تكون ناقصاً أو مشوهاً أو مقطعاً وقد لا يهم كيف تكون أو كيف تموت المهم أن تجد قبراً يحتويك في هذا البلد الذي امتلأ بالقبور التي تمتليء بأبنائها من جميع الملل والطوائف.
أما أحداثها فهي حول عبد اللطيف الأب الذي يموت في ظروف عادية بسيطة لتكون وصيته البسيطة أيضاً أن يدفن في قريته بجانب قبر أخته في العنابية هي وصية بسيطة وعادية في الظروف العادية ولكن في الظروف الحالية ووقوع العنابية تحت سيطرة الاحرار وحتى تصل الجثة إلى هناك سيقطون العديد من الحواجز التي تنتمي للنظام وحواجز تنتمي لفصائل غير معروفة ليصلوا إلى العنابية فأي وصية شاقة تلك التي أوصى بها الوالد. فتبدأ رحلة أبنائه بلبل وحسين وفاطمة مع جثة أبيهم لايصالها إلى مبتغاها ليكون بذلك موته عملاً شاقاً.
"الموت واحد في كل الأوقات، إلا أنه عبء ثقيل على الأحياء أحياناً"
"شقاء الأحياء يختلف عن شقاء الأموات لا أحد يحب مصير التفسخ لمن يحبه، يريد صورته في الموت أكثر جمالاً إنها الصورة الاخيرة التي لا يمكن محوها من الذاكرة"
رسم خالد خليفة في هذه الرحلة التغيرات التي ستطرأ على الجثة إضافة إلى التغيرات النفسية للأخوة بين بعضهم البعض، فهم عاشوا حياتهم متفرقين في ظل والدهم إلا أن جثته حاولت لملمت شتاتهم وجمعهم لهدف واحد هو تنفيذ وصية والدهم ولكن هل ستضمد جثة والدهم جراهم وتجمع شملهم أن أنهم سيتفرقون بعد تنفيذ الوصية.
في طرحه رحلة الابناء بإيصال جثة والدهم ترى نفسك تشتم رائحة الموت عبر الطرقات وفي كل حرف كتبه خليفة وأن الموت مجاني فالكل قادر على ارتكابه منتشر كما ينتشر الظلام في السماء، جثث في كل مكان، جثث منسية، مقابر جماعية، ارتكاب الموت لم يعد حدثاً طارئاً بل هو يومي حد الابتذال، فالموت يكفي لجميع السوريين من أي طرف كان. يخبرنا خليفة في روايته أن الأشخاص بعد موتهم يصبحون أرقاماً وأوراقاً لا فائدة لهم بأي مكان. يصبحون جثثاً مكروهة يجب التخلص منها حتى لو تم إلقاءها على قارعة الطريق لتكون طعاماً للكلاب الضالة كما كان سيفعل حسين بجثة والده عن أحد الحواجز حتى ينتهي من كل هذا الألم وكل هذه المشقة.
كل من ابناء عبد اللطيف بحمله الجثة حمل أحزانه وخيباته وذاكرته المهترئة وذاكرته القادمة التي سيكون عنوانها الدم والموت فهل ممكن نسيان الألم والخسارات والجثث والخذلان؟ هل يمكن قطع الذاكرة حتى لا نتذكر شيء؟ إن أصعب ما يواجهه الانسان امتلاكه ذاكرة حية لا تنسى أحداث حياتها.
كيف وصلت الجثة وهل تم تنفيذ الوصية هي اسئلة سأبقيها مفتوحة حتى لا تحرق أحداث الرواية. رواية تحمل من الألم والموت بين جنباتها الكثير الكثير.