كتب ربيع جابر هنا رواية كالحلم، تتهادى أحداثها كأنها منام.. سعيد حيناً وثقيل أحياناً أخرى كثيرة. وتلك هي الوسيلة المثلى للتعامل مع حدث الفقد بكل مرارته وألمه
ثيمة المنام، أو الحدث الطافي فوق الحواس كغيمة عابرة.. مناسبة تماماً كذلك للسياق الأندلسي الذي نبجله في الوعي الجمعي كذكرى –حلم- بديع أجمل من أن يتكرر. سياق حافل هو الآخر بلوعة الفقد غير المبررة وبرغبة دفينة في العودة لأصل لا ننتمي له.
لكن ربيع جابر، الباحث والمؤرخ قبل أن يكون روائياً، يقارب الواقع الأندلسي بشكل متميز، ليجعل من المكان بطلاً بامتياز من جهة- ويجعل من اللون والرائحة والطعم أبطالاً آخرين، بحرفية متناهية، يكرسون ملامح الشرق عبر رحلة محمد الغرناطي الطويلة التي حصلت ذات زمن حافل بمكامن الصراع.
بشكل ما، تبدو هذه الرواية باختزالها للزمكان وملامستها العابرة للتفاصيل، إسقاطاً على رحلة كل منا مع واقعه ورحلته الذاتية في البحث عن المفقود. إننا نكبر ونغادر أعشاش نشأتنا بحثاً عن شيء ما –رمز له ربيع جابر بالأخ الربيع- وتزداد اللوعة المتفاقمة في نفوسنا عبر السنين مع تطاول البحث عن هذا المفقود الذي علقنا بعنقه أجراس سعادتنا، على الرغم من رنين السعادة المتواصل من حولنا في كل وقت. نظل مسكونين بهاجس المفقود فيما نتعامى عن حقائق الموجودات. وفي حالات تتسامى فيها المرارة فوق المتصور، يكون المفقود المنشود هو نحن، مضموماً بين جنبي أحدنا، لكنه لا يبصره، ويواصل الرحلة حتى نهايتها التي لا نضمن أن تنتهي بالعثور على ما نبحث عنه.