الكتاب رقم ثمان وثلاثون من العام 2025
رهانات الاسلاف
ممدوح حبيشي
عن جنون الحرب
تطبيق ابجد
""خفق جناحَا أمينة، فصنعا صوتًا أعلى من صوت الإعصار المخيف، وأثارا موجةً عاليةً من الغبار، رويدًا رويدًا رفعا الجناحان أمينة من الأرض، فلم تلمس قدماها التراب، فردت جناحَيها، فبدوا كأشرعة المراكب الهائلة، اقتربت من صديقتها المرمية على الأرض لا تقوى على الحركة، وتوقفت أمينة في الجو فاردة جناحَيها لتمنع الشمس وتصنع لصديقتها ذات الوجه الدامي ظلًّا، مر وقت على أمينة لم تعرف مقداره، بدا كأنه الأبد أو أبعد قليلًا، غزا الألم جسدها بما لا يحتمل، واسودَّت الدنيا في عينَيها، وسقطت إلى جانب صاحبتها على الأرض مغشيًّا عليها
هنا التاريخ يعيد نفسه متجسداً في أسامي أخرى ، ماذا لو
ارتبط اسمك باسم تاريخي عظيم !!
ماذا لو وجدت اسمك مدرج في حكايات الأسلاف كبطل مغوار شجاع قوي في وجه العادات والظلم والاستعبا.!
ماذا ستفعل لو استدعتك نداءات الأسلاف لتخلد ذكراهم وتاريخهم على لسانك الفصيح !
هل كنت لترفض وأنت هذا الإنسان الضعيف المغلوب على أمره !!
تستكشف رواية رهانات الأسلاف افريقيا في معرفة جديدة لها فهي تسافر نحو غرب إفريقيا وتحديدا نيجيريا لتسلط الضوء على قبائل الهوسا، وما فعلته بها موجات التطرف التي تبلورت فيما عرف بحركة "بوكوحرام" التي عرفت بالقتل والسلب والنهب، حتى حولت حياة الناس إلى جحيم، وتجعلنا نقترب من آثار ذلك التطرف في بيئة جديدة لم نحاول استكشافها، ونشهد سرديات العنف والانغلاق في تلك البيئة. نجتهد في أن ننتقم من كل ما كان يجمعنا بشخص يومًا ما، نريد أن نصبغ ما بيننا من ذكريات وأوقات بالدم حتى تغيب ملامحها فننساها رويدًا رويدًا، فلا يتبقى سوى لون الكراهية.. حتى إننا مع الوقت سننسى أسباب الصراع أو الخلاف الذي بدأ ذلك كله، ونظل نتذكر الانتقام والثأر في دائرة لا تنتهي أو تنكسر.
يعد الموطن الأصلي لقبيلة "الهوسا" في نيجيريا غرب
أفريقيا، وتوزعت سلالتها في عدد من الدول، بينها السودان الذي يشهد وجودا لافتا للقبيلة في كل الأقاليم، خاصة المناطق التي تشتهر بالزراعة.
وتتحدث كتب التاريخ عن وجود 7 بطون أصلية لقبيلة الهوسا و7 أخرى فرعية، لكن الخلاف يظهر عند تتبع أصل القبيلة، إذ يقول الكاتب مهدي أدموا في سفره عن القبائل الأفريقية "إن الهوسا نبعوا من أرضهم في نيجيريا غرب أفريقيا، أي لم يهاجروا من أي جهة، وأنهم أصيلون في مناطقهم، ولا علاقة لهم بأي قبائل أخرى"، فيما تقول رواية أخرى إن اسم الهوسا جاء من أرض الحبشة شرق أفريقيا. تبقى من الهوسا الكثير، لكن التحدي يكمن في قدرتهم على الحفاظ على إرثهم في وجه موجات التطرّف، وعلى إعادة بعث صوتهم كجزء حي من الهوية الأفريقي
جماعة بوكور حرام: وهي جماعة متطرفة من الجماعات الإسلامية، تأسست عام 2002 على يد محمد يوسف في شمال شرق نيجيريا، الذي نفّذ منذ عام ٢٠٠٩ اغتيالات وأعمال عنف واسعة النطاق في ذلك البلد. كانت نية الجماعة المعلنة في البداية هي اجتثاث الفساد والظلم في نيجيريا، اللذين ألقت باللوم فيهما على التأثيرات الغربية، واهمية تطبيق الشريعة.
وعما تبقي من قبائل هوسا مقابل بوكور حرام وكيف وصلت الأخيرة إلى أفريقيا وهل كان هناك مناخ مهيأ لتواجدها وانتشارها، بجيب الكاتب في أحد لقاءاته عن الكتاب: قبائل الهوسا ليست مجرد شعب بل مجتمع حضاري طويل ظل يتنفس عبر العصور في الغرب الإفريقي، بثقافة راسخة وهوية لا تنكسر. لكنها اليوم تواجه امتحان البقاء الثقافي أمام جماعة مثل بوكور حرام، التي لا تُحارب فحسب بسلاح، بل بعقيدة متطرفة تستهدف جوهر الوعي المجتمعي. بوكور حرام لم تهبط من السماء، بل جاءت كنتاج حتمي لفشل أنظمة، وغياب العدالة، وتهالك التعليم، وتمزق الدولة. ومن ثم فقد وجدت الأفكار المتطرفة لها تربة خصبة في الفراغات الاجتماعية والنفسية، وبدأت بالانتشار كالنار في هشيم الريف والهوامش.
هل نحن من نصنع تاريخنا وقدران ام اجدادنا؟ عبر ذاكرتهم التي تكتب حكايتنا، فهي بين الحاضر والماضي، بين الحرب والسلام، بين الإنسان وظله، نحاول ان نقترب من امينة وحكايتها التي ابت الا النجاة وفعلت المستحيل لتنجو، فنحن هنا امام قضايا أراد الكاتب ابرازها وهي الحرب، الفقد، الأسطورة، التطرف، والمصير... من خلال الرواية.
هنا الصراع الابدي بين الجهل القبلي والمدنية الحديثة. مزيج مميز من سيرة الاسلاف ممثلة في الملكة (أمينة زاو) والفتاة (أمينة) التي تحيا وسط الجهل والتخلف والرهاب. هنا ملكة الهوسا وممالك سبعة تلك التي بقوتها وحكمتها بينت عمق البصيرة النسائية، وعلى الأرض سنكتشف أننا نحيك الضعف أثوابًا نغطي بها نسائنا عنوة لنشوه إنسانيتنا ونتخلى عن كل ما يجعلنا بشر
نحن امام سيرتين من زمنين قديم قدم الاسلاف وحديث معاصر امينة الزمن القديم والزمن الحديث الملكة "أمينة زاو" وواقع "أمينة" المعاصر لنكتشف الاختلاف في التاريخ والسياسية و الفولكلور مثل الحكايات الشعبية والأساطير وحتى الأغاني من الزمن القديم مرورا بالتطرف وهو هنا رمز لواقع انساني، أصبح التطرف والتشدد جزء لا يتجزأ منه داخل كل الثقافات. مجموعة من الناس ترى نفسها تعلم ما يريده الله وتحارب باسمه وتقتل على مذبحه، هنا بوكور حرام كانت رمز لزوال عالم وتآكله أمام واقع قبيح جديد، رمز لعالم لا تستطيع فيه الأرواح البريئة من الاستمرار أو الحياة.."
نحن هنا بصدد التعرف على حكاية أمنية الطفلة التي لاحول لها ولاقوه ، التي ولدت في ظروف صعبة من عادات وتقاليد وجهل وفقر ، في إحدى الدول الإفريقية المسيطر عليها الجماعات المتشددة ، والفقر والدماء والأوجاع ، هي فتاة كان حظها سيء حين شابه إثمها إثم بطلة مغوارة توجت ملكة في عصرها ، فظن من حولها ان التاريخ يعيد نفسه عبر حفيدتها امينة الصغيرة التي لا تفقه شيئاً سوى تلك الرؤى التي تزورها ..
المرأة هنا في الرواية ليست هامشًا ولا زينة، بل ذاكرة تمشى، ووعى خفي يُحرّك العلن. أراد الكاتب تقديم المرأة الإفريقية لا كامتداد للمأساة، بل كجذر للحكمة، ورافعة للبقاء. لم تكن «أمينة زاو» سوى بوابة عبرت المرأة من خلالها وأثبتت انها قادرة على كل شيء بينما كانت «أمينة» في بُعدها الرمزي تتخلّق بسلاسة من تربة الموروث الإفريقي، وتتغذى من ظلال الأسلاف، فإنّ «أمينة» الحاضرة، المعاصرة، الممزقة بين إرث ثقيل وزمن لا يعترف بالخرافة، بدت أكثر هشاشة، وأكثر إلحاحًا علينا لنصغير لما لا يُقال في كلماتها.