عمى الذاكرة > مراجعات رواية عمى الذاكرة
مراجعات رواية عمى الذاكرة
ماذا كان رأي القرّاء برواية عمى الذاكرة؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
عمى الذاكرة
مراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Moatasum IAjalal
حميد الرقيمي، ليس رجلاً أكثر مما هو محض محبرة لغوية تزخ لنا الحياة متى ما شرعت أنامله الكتابه.. هكذا تختزله الذاكرة وهكذا عرفه القلب، في رصيدة ثلاث روايات، جُلّها "عمى الذاكرة " الرواية الأكثر وقعاً في النفس لِما يتخللها من الحنين والحب والجنون والألم والموت أيضاً، فيها من الدهشة ما يكفي لتبقى عالقاً متقرفص على أروقتها غاية الورقة الأخيرة.. وأنا اقراء مستهل صفحاتها الأولى شعرت بأنني في مواجهه تتطلب شرفة هادئة وجمّة من النفس العميق ربما جاهزيه مكتمله الأركان؛ للدخول نحو عالماً طويل، وهذا ما حدث بالفعل، لحظتها لم يكن لي إلا أن أُسلم أشرعتي لحميد، حيث تودي بي قريحته، كنت مطمأن على نفسي وفي رفاهيه وأنا اتنقل مع شخصيات روايته، أعيش معهم غربة المكان وخوف المستقبل، وقلق الإسئلة المبتورة، الريبة التي توشحت "سالم المجهول" دفىء الجد الذي مليء رأسه جنون البشرية كلها، صدفة "عبده حمادي " وحياة كوخه الذي احتضن الشتات والتيه والشرود الطويل لـ "يحيى" القادم من اللا شيء، كوخه الذي تسرب من خلاله الكثير من الحيوات والكثير من الآمال إلى قلبه وجعل منه لافتًا وملفت لزملائية ولـ "يافا" تحديداً، الفتاة التي كسرت في فمه جمود الريف ليصبح عاشقاً مشدوهاً متلهف، صخب حنينه يلوي شوارع صنعاء إلى إن وصل به القدر مع تفاقم تخوم الحرب في المدينة إلى اقتناء حماقة لا يغفرها الزمن، الإنتقال إلى يافا التي تسكن شملان الملتهب بالصراع والموت؛ للإطمئنان عليها فحسب، متجاهلاً فكرة ما قد يلحق به وبـ النبيل "عبده حمادي" من قذيفة، من رصاصة طائشة قد تمحو وجودهم إلى الأبد وهو ما حدث بالفعل حيث اعترض جنونهم إلى "يافا" التي نزحت إلى المجهول، قذيفة وزعت جسد عبده حمادي إلى أشلاءً صامته دون ما يوحي بقوام رجلاً كان يمشي على الأرض.
"عمى الذاكرة" وجبه لغوية دسمة بكل مطلبات الروح، أحيّ حميد الرقيمي هذا المولد الباهر، كل الحب.
-
[email protected]
تبدو الرواية وكأنها شظايا من ذاكرة رجل يحمل على كتفيه أثقال الماضي وندوب الحاضر؛ تتدفق الأحداث فيها كأنها بوح شخصي بقدر ما هي قصة جيل ضائع بين نيران الحرب وطموحاته الشخصية.
في البداية، كانت صنعاء كحلم، لكنها سرعان ما تتحول إلى صدمة قاسية. في الرواية شعرت كأنني أرافقه في كل خطوة، أعيش معه تلك الغربة التي اختبرتها مرارا في مدن مختلفة داخل وخارج اليمن للعام السابع عشر على التوالي.
منذ اللحظة الأولى، تبرز المفارقة التي تواجه القارئ: كيف لذاكرة “عمياء” أن تحتفظ بكل هذا الكم من الصور والتفاصيل؟ إنها إحدى أدوات الأدب، أن يشق أمامك الطرق بين المفارقات ويفجر التساؤلات، ثم يدعوك للمزيد، مواجها إياك بما لا ينضب.
يبدأ السرد بإحساس الراوي بالعجز والذهول أمام فراغ موحش، وكأن المكان الذي كان مألوفاً تحول إلى مقبرة للذكريات ومرآة تعكس تلاشي طفولته. من السطر الأول، تشعر كأن الأرض تهتز تحته، وكأن كل قدم تسقط واحدة تلو الأخرى، كناية عن تتابع الصدمات التي تجعل من الصعب عليه الوقوف مجددا.
آلى الكاتب على نفسه أن يمضي في هذا السرد الجريء، لتجاربه الإنسانية بعمق وإحساس لا يخشى المواجهة. لقد ذهبت معه إلى عوالم تتقاطع فيها مشاعر الفقدان والأمل، لتصبح بذلك توثيقاً خاصا ومرآة تعكس ملامحنا الداخلية، وأسئلتنا الحائرة حول الهوية والانتماء والطريق إلى السلام.
ولأن الأعمال الفنية تكرس في عمقها مفهوم “الإكليشيهات” والنماذج المتكررة، جاءت التفاصيل التي وثقت الدمار الحربي في هذه الرواية وكأنها وثيقة جاهزة؛ يمكن أن نمحو منها اسم منطقة الكاتب ونكتب بدلاً منه “غزة”، التي عانت من نفس المشاهد التي نشهدها اليوم. وكأن اليوميات المفجعة في هذا السرد هي يومياتها، حيث تتشابه تفاصيل الاعتداءات والحرب، وإن اختلفت الجغرافيا وتبدلت هويات الجناة.
ينتهي أحد مشاهد الرواية بمحاولة استغاثة أخيرة، كأنه ينادي طفولته المفقودة، حيث تتحول تلك الطفولة إلى “رجل يحاول إنقاذ أبيه بعد فوات الأوان”. إنها لحظة استسلام أمام قسوة الواقع، حيث تبقى هذه النداءات عالقة في الفراغ بلا مجيب، وكأن الكاتب يوثق كيف تتحطم الأحلام وتندثر الطفولة تحت وطأة الحرب.
ما جذبني في الرواية هو اللغة العذبة التي كتبت بها، وتفاصيل العلاقة المعقدة بين الماضي والحاضر، تلك التفاصيل التي تجعل الرواية مرآة لعذابات الوطن بأسره.
استطاعت هذه الرواية أن تثير في داخلي تساؤلات كبرى حول معنى الانتماء، حول رحلة اليمني الذي يمسي ويصبح ممزقا بين ذكرياته وأحلامه بالنجاة، باحثا عن طريق العودة ولا يعرف أين هو؟!
السابق | 1 | التالي |