اقتباسات من كتاب محمد الماغوط : رسائل الجوع والخوف

❞ قال أدونيس: «إن المتنبي أخطأ في سعيه لمنصب في دولة سيف الدولة الحمداني لأنه بقي خالدًا بدون منصب، بينما أصحاب المناصب طواهم النسيان». ❝

❞ لقد كان محمد الماغوط كما وصفه النقاد: بركانًا غاضبًا، وشاعرًا متمردًا، و«لوحة كلّما ابتعدت عنها ازدادت جمالًا»، لكن تلك اللوحة حين تُرى عن قرب، تنكشف فيها ضربات الفرشاة وخدوش الذات، وتُريك اليد التي رسمتها… يد الإنسان، لا الآلهة. ❝

لم نر جدّتنا لأبينا، ولا جدّتنا لأمنا بسبب موتهما المبكر جدًا. وكان جدنا لأمنا يقترح على والدنا أن نترك المدرسة، ونتعلم مهنة. ويقول له: «هل تأمل أن يصبح أولادك موظفين عند الدولة ويلبسون البدلات الرسمية؟» وكان والدي ينسحب من اللقاءات ويعود لأمي ويقول لها: «لن أخرجهم من المدرسة حتى لو شحذت على الأبواب».

الطفولة المبكرة كانت جميلة، وكنا سعداء بألبستنا وطعامنا، وكنا نذهب مبكرين إلى دكان والدنا، ليعطينا الحلاوة والراحة، ويعطينا قروشًا أيضًا نشتري بها من خارج الدكان ألعابًا كانت سائدة في تلك الأيام.

كنا أنا ومحمد مختلفين في كيفية التعامل مع الفقر. كان هو يلعب في الحارة، وكنت أنا أتنقل من بيت إلى بيت لإرضاع الطفلة. وعندما تركتها يومًا واحدًا وذهبت للعمل في الحقل، عدت لأجدها قد ماتت ودفنت… ومحمد يضحك عليّ بسبب فشلي في إبقائها على قيد الحياة لحين عودة أمها.

إذا كانت البئر تحتاج إلى ماء وإذا كان السلاح يحتاج إلى ذخيرة… وإذا كان القبر يحتاج إلى بكاء، وإذا كان العرس يحتاج إلى أهازيج… فإن الكتابة بحاجة إلى موهبة وإلى صبر وإلى رغبة وإلى معاناة.

ويقول لها كيف تتصورين أن أقبل بوجود عصافير محبوسة في الأقفاص وأنا لا همَّ لي إلا الكتابة عن الحرية. فتقول له وهي خائفة منه على نفسها وعلى مصير العصافير إن هذه العصافير لا أمن لها إلا داخل هذه الأقفاص… وإنها إذا أطلقتها لا تعيش ولا تعرف كيف توفر غذاءها أو ماءها… وإن قطة واحدة تستطيع أن تأكلها كلها. فيقول لها: إن الحرية أجمل. ولا يهمه ما يحدث لها من مصير في أجواء الحرية. ثم غافلها ذات يوم، وكانت خارج البيت، فأطلق العصافير من النافذة وأعطى الأقفاص لصبي كان يعمل في البقالية تحت بيته، وعاد إلى الاستلقاء منتصرًا لمبادئه…

كان يشغله فقدان إيصال الكهرباء أو الماء وفردة جورب أو نفاد اسطوانة الغاز أو قرب نفاد التبغ أكثر مما تشغله هتافات محمود درویش في منافيه الأنيقة أو ما يقال عن صمود ناظم حكمت الأسطوري أو تقشف ستالين في غذائه وكسائه.