محمد الماغوط : رسائل الجوع والخوف

الكاتب الكبير سمير عطا الله له مقال مهم عن الكتاب بعنوان: “سيرة الشقيق” وصف الكتاب بأنه: “محاولة وضعها عيسى الماغوط للحديث عن شقيقه الأصغر الذي عاش طفولته في السلمية في كوخ ليس فيه عنب ولا تفاح ولا حلوى، وفيه على الدوام كومة من الزبل (الروث) تستخدم للتدفئة. وفي هذا البيت المبالغ في الفقر، يموت الأشقاء الرضع من الجوع أو المرض أو البكاء أو الملل”. ثم ذهب إلى القول: “يخبرنا عيسى الماغوط أن هذا التمرد بدأ في البيت عندما كان في السادسة من العمر، فقد رفض الفقر الذي يحاصره ويطبق على العائلة، ومع ذلك عمل في الحقول وفي الحفر وفي النقل، من أجل أن يجمع ثمن تذكرة الهرب بالباص”.

هؤلاء الكتاب الذين لا يعرفون الكاتب معرفة شخصية، لم يعتبروا ما كتبه عيسى الماغوط عن هذا الفقر الأسود تشهيراً، ولا ثأراً مبيناً، لأنهم يدركون معنى قول الحقيقة المعاشة وأهميته في إضاءة شخصية الماغوط، لقد صور عيسى الماغوط محمد الماغوط الإنسان الذي يصر البعض أن يجعله “تابو..” ليركبوا كالعلق على تجربته وشهرة وجاذبية اسمه.. وللأسف هذا التأليه والأسطرة والمبالغات العاطفية هي ديدن الثقافات الشفاهية، وديدن الأيديولوجيا والعصبيات الضيقة.. ليس إلا.

إن محمد الماغوط بلاشك شاعر كبير.. لكن الحق أحق أن يتبع فنيا وذوقيا ومعرفيا. وقد أصر بعض عبدة الأوثان على أن العبقري يجب أن يظل بعيداً عن النقد، ولا يعرفون قد يكون هذا الجانب سر عبقريته… ولا تتغير وجهة نظرهم التالفة بأن يتحدث شقيقه عنه بعيدا عن الخطاب النقدي الشخصي ولكنه لأنه الأقرب لحياة الماغوط الشخصية ويستطيع إلى حد كبير، وأكثر من غيره ،تحليل جمل الماغوط وتفكيك شخصياته وأبطالها في المسرح، إلى عناصرها الأولية ومدلولاتها من تجربة الماغوط الحياتية والشخصية.

قد تكون مراجعتي للكتاب أعلاه سلبية، فإنني لاحظت وجود التناقضات في سير العمل من خلال سرد الحكاية من البداية إلى نهايتها فيظهر لنا الاستاذ عيسى الماغوط نوازع شخصية محمد الماغوط الانانية و التي ارتقت إلى النرجسية و كيف كانت أسلوب الاديب محمد الماغوط مع أخيه في تحجيم أخيه و إجباره بأداء أمور كان محمد يستلذ بها و يرغبها بينما عيسى كان في حالة يرثى لها ، و كيف كان تعامله مع زوجته و كيف أظهره بصورة الاب الحاكم الآمر الناهي و الذي أجهض زوجته من شدة الضرب بمجرد اختلافها بالرأي، و بعد ان يختتم الاستاذ عيسى سيرة أخيه بوفاته الفجائية، ينشر رسائل جاءته منه و هنا الصورة تنقلب رأسا على عقب و يظهر لنا عمق المحبة من أخ كان جاحد ناكر للجميل ، و متقلب الامزجة و بعيد كل البعد عن عائلته و تاريخها المظلم الاسود، و كيف غدا و اصبح طيب حنون شغوف و متهالك لوصل اهله و اخوانه

كيف اقرأ لمحمد الماغوط بعد أن اطلعت على شخصيته المتقلبة الانانية و النرجسية الابوية الذكورية العنصرية؟؟؟؟

لما تقرأ المقدمة اللي كتبها نوار الماغوط ابن شقيق الشاعر محمد الماغوط واللي جاءت تحت عنوان (مكاشفات وبوح) تظن أن بعد أنتهاءك من قراءة الكتاب هتلعن محمد الماغوط الأنسان وهتقول في أسي وحزن «أما محمد الماغوط الفنان فأنا انحني له احتراما، وأما الماغوط الأنسان فتخلع حذاءك وتنهال به علي صورته أو تبصق علي شخصيته الدنيئة!».

لكن العكس هو اللي حصل بعد قراءة الكتاب، وبعد قراءة محمد الماغوط لشقيقه عيسى الماغوط. زاد حبي واحترامي لمحمد الماغوط وغفرت له كل اخطاءه وخطاياها لأني وجدته أنسان شديد العزة والكرامة والأعتداد بالنفس والتمسك بالمباديء التي يؤمن بها، رغم الجوع والفقر الذي عاني منهما منذ طفولته، واستمرا تأثيرهما عليه حتي وفاته.

❞ «قضى عمره وهو يشعر بأن الجوع ينبض في أحشائه كالجنين، ورغم أطنان الطعام والطناجر والصحون بقي جائعًا. قال لي مرة إنه لم يشم رائحة طعام يطبخ في بيته قط. وإنه يبحث عن ثيابه فلا يجدها». ❝

رحم الله الأنسان والشاعر محمد الماغوط