قرأت رواية "الأرض الأخيرة" للكاتب محمود عماد وأعجبتني، الرواية يمكن نسبها لأدب الخيال العلمي الذي يضم محتوى إنساني وفلسفي يغلف الفكرة الخيالية الأساسية للرواية.
اجتهد محمود عماد في روايته محاولاً تكثيف مشكلات عالمنا، تحدث عن صراعاتنا وعصبياتنا القومية والعنصرية في شخصيات الرواية بأسمائهم اللافتة، عن التعبير وعن الحرية في أزمة الأوراق والأحبار المحظور تداولها، عن الظلم والتضليل، عن الأسوار التي تحجب الحقائق عن العقول.
الرواية هي عبارة عن كتلة سردية واحدة من دون فصول محدِدة أو فواصل قاطعة، ربما لكي تشبه الكتلة البشرية التي يتكون منها عالمنا في سرديته الحالية، باختلاطاتها وتناقضاتها وتداخلاتها.
شهد سليمان ملامح وشخصيات العالم الجديد الذي وصل إليه بثنائياته الكثيرة، الكيان والحركة، الحكام والرفاق، الحرس والعمال، الرجال والنساء، محمود وديڤيد، چون وفلاديمير، كما شهدنا ألكسندر المختار وذلك الصراع الأبدي والحتمي، والذي لم يتوقف حتى بعد انهيار العالم.
تذكرت رواية "كوكب القردة" للكاتب الفرنسي پيير بول، كما تذكرت سلاسل أفلام "كوكب القرود" التي يبلغ عددها عشرة أفلام، السلسلة القديمة من خمسة أفلام بين عامي ١٩٦٨ و ١٩٧٣، وفيلم إعادة إنتاج عام ٢٠٠١، ثم مؤخراً سلسلة جديدة بلغت حتى الآن أربعة أفلام بين عامي ٢٠١١ و ٢٠٢٤.
كنت قد شاهدت جميع تلك الأفلام القديمة والجديدة، وكان رأيي أن أفلام السلسلة الجديدة تتميز بالتقنيات السينمائية العالية وأدواتها المبهرة الجبارة، ولكن أفلام السلسلة القديمة تتميز بالمحتوى الفكري والفلسفي الأعمق على الرغم من بدائية صناعة تلك الأفلام من ناحية الإنتاج والإخراج.
رواية "الأرض الأخيرة" هي محاولة لإلقاء الضوء على عالم آخر ينتظرنا في المستقبل إذا حال استمر البشر وأنظمتهم في إدارة صراعاتهم بهذه الطريقة، وإذا استمر البشر وأنظمتهم في الظلم والإظلام، وإذا لم ننتبه إلى أن تحديات الحياة والإنسان هي أكبر من مجرد تعصبات قومية أو عنصرية تافهة، حتى بعد أن تكشفت الحقيقة في النهاية، كنا نتساءل مَن سينقذ مَن؟، بين ما حدث في الماضي، وما يحدث في الحاضر، وما سوف يحدث في كل سيناريو يحمله المستقبل.
هذه هي الرواية الأولى لمحمود عماد وقد أودع بها مخزون سنوات من الإنفعال، وننتظر المزيد من الإبداع في أعماله القادمة.
بعد أن ذاب الواقع في الرواية لصالح الخيال، جاءت النهاية لتذيب الخيال لصالح الواقع، انفَّضَ الخيال بعد أن ترك رسالته، إن أخطر ما يهددنا في هذا الزمان هو التعصب لعرق أو دين أو قومية، وإن الهدف الأسمى للوجود هو تحقيق سعادة الإنسان في حياته على هذه "الأرض الأخيرة" التي لا نملك غيرها، السعادة على هذا الكوكب.
لا كوكب القرود ولكن كوكب الإنسان.